ما يجرى فى مصر، منذ وصول الدكتور محمد مرسى إلى منصب الرئاسة قبل عام، يثير الدهشة والاستغراب من نواح عديدة. ولعل أبرز هذه النواحى وصف الرئيس بأنه «إسلامى» والمحاولات المتتالية التى تبذلها جماعة الإخوان المسلمين وبعض حلفائها من الجماعات الإسلامية الصغيرة لإظهار أن كل خلاف مع الرئيس أو جماعته، إنما هو خلاف مع الإسلام نفسه، أو فى أقل تقدير مع المنهج الإسلامى فى الحكم الذى يتبعه الرئيس منذ توليه منصبه.
وفى كل مرة يثور فيها خلاف بين الرئيس وجماعته وبين معارضيه، سواء كانوا قوى سياسية أو فئات من الشعب المصرى، يشرع مؤيدوه فوراً فى تطبيق نظرية «الفسطاطين»: فسطاط الإسلام الذى يقوده الرئيس مرسى, وفسطاط معاداته الذى يضم كل من يتجرأ على نقد سياسات الرئيس وجماعته وحزبه، أو أى جماعة أخرى متحالفة معه. ووصل الأمر، فى ظل التخوفات الكبيرة التى تجتاح المعسكر الأول من احتجاجات 30 يونيو القادم، إلى أن دعا الشيخ السلفى محمد عبدالمقصود، فى حضور رئيس الجمهورية، على منظميها والمشاركين فيها بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم يوم غزوة الأحزاب بالهلاك والفشل والهزيمة. ولم يقف الشيخ، المفترض أنه حامل لكتاب الله ودعوة دينه، عند الدعاء على معارضى الرئيس، بل إنه وصفهم بمباشرة وصراحة بأنهم كافرون ومنافقون، فضلاً عن أن تشبيهه لهم فى دعائه بأنهم لن يكونوا سوى واحدة من ثلاث فئات حاربت المسلمين يوم الأحزاب، وهم الكفار والمشركون الذين حاصروا المدينة واليهود والمنافقون الذين خانوا العهد بداخلها.
وهكذا يأتى المؤتمر الأخير المزعوم أنه لتأييد سوريا، وهو فى الحقيقة لفك الحصار الشعبى عن الرئيس من شعبه، لكى يؤكد الاتجاه المستمر عند مؤيدى الرئيس من جماعته وبعض الجماعات الصغيرة الحليفة، لتحويل الخلاف معه ومع حكمه إلى خلاف بين رئيس مسلم ومعارضين معادين للإسلام. وهنا يطرح سؤال قد يبدو للكثيرين أنه ساذج: ما هى الأدلة والبراهين أو الإشارات أن الرئيس مرسى هو رئيس إسلامى، وأن حكمه هو حكم إسلامى؟
والإجابة الحقيقية لن تكون سوى فى تفحص سريع لما قام به الرئيس وحكمه خلال عام كامل من توليه منصبه الرئاسى، وهيمنة جماعته وحزبه على المجالس التشريعية منذ انتخابها حتى اليوم. وإذا كانت البداية بالمجالس التشريعية والتى وظيفتها الرئيسية هى صياغة القوانين والتشريعات التى يتم تطبيقها فى البلاد، فإن سجل إنجازات مجلس الشعب المنحل ومجلس الشورى قيد الحل يؤكد أنه لم يصدر من هذين المجلسين، خلال عام من حكم الرئيس، وقبلها ستة شهور من عمر المجلسين، أى تشريع أو قانون يمكن وصفه بأنه إسلامى أو أنه يقترب من شعار الإخوان الذى تم إسقاطه مع بدء حكم الرئيس «الإسلام هو الحل». وبالرغم من الدعاية الكثيفة التى أحاطت بحملة انتخاب الرئيس مرسى فى أوساط الإسلاميين، والتى أشاعوها بين بسطاء المصريين بأن هدفه الرئيسى هو تطبيق الشريعة الإسلامية، فلم يصدر الرئيس عندما كانت لديه السلطة التشريعية ولم يتقدم بأى مشروع قانون للمجالس التشريعية حتى اليوم لتطبيق ما سبق وتعهد به بأى من أحكام الشريعة الإسلامية. ولم يستجب الرئيس، طوال عام كامل من الحكم، لا لنداءات بعض من حلفائه الإسلاميين من سلفيين وبقايا جهاديين، ولا من معارضيه بأن يتسق مع شعاراته والتزاماته التى سبق له إعلانها بتطبيق الشريعة الإسلامية على أن يتحمل نتيجة هذا.
ولم يقف الرئيس الموصوف بـ«الإسلامى» عند ذلك، بل إنه أصدر تشريعاً فى نهاية عام 2012 بتعديل القانون الخاص بالضريبة العامة على المبيعات، خالف فيه كل ما أعلنه من التزامات متعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية. فقد زاد الضرائب على السجائر وجميع أنواع الدخان، بالرغم من أنها بحسب جماعته وكثير من حلفائه «مكروهة» وعند بعضهم «محرمة». وذهب الرئيس إلى أبعد من هذا قليلاً، لكى يفرض رسوماً إضافية على القروض التى تمنحها البنوك بفوائد مختلفة للمواطنين والشركات، مؤكداً بذلك شرعية الفوائد بلغة البنوك أو الربا بلغة الشريعة التى يتبناها الرئيس مرسى وجماعته. وذهب الرئيس إلى غاية المدى لكى يزيد من الضرائب على كل أنواع الخمور المحلية والمستوردة، غالية السعر والرخيصة، ومعها أيضاً الرسوم على صالات القمار التى تديرها الفنادق الخاصة وبعض الفنادق المملوكة للدولة، بما يعطى مشروعية منه ومن حكمه لما ظل هو وجماعته يهاجمونه باعتباره مخالفاً للشريعة، وأنهم فور توليهم حكم مصر سوف يوقفونه من أجل إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية.
أما على الصعيد التنفيذى فلم يصدر الرئيس، طوال عام حكمه لا هو ولا وزارته، أى قرار يحمل أى معنى ولو مضمر لتطبيق الشريعة الإسلامية، سواء داخل البلاد أو خارجها، بل أتت كلها تقريباً لكى تسير فى الاتجاه العكسى لها بكل الصور التى ظهرت بها. فقد عين الرئيس محافظاً جديداً للبنك المركزى، وهو رجل كفء ويستحق منصبه، لكن الرئيس لم يكلفه بوقف سياسة الفوائد أو الربا بلغته على القروض والودائع، وظل البنك المركزى وكل النظام المصرفى المصرى يعمل بنفس القواعد فى هذا المجال، التى تعمل بها كل مصارف العالم والموصوفة من الرئيس وجماعته وأنصاره قبل وصوله للرئاسة بأنها سياسات «ربوية» مخالفة للشريعة الإسلامية. وحتى بالنسبة للفلاحين الفقراء الذين صدرت ضد عشرات الآلاف منهم أحكام بالحبس بسبب عدم قدرتهم على سداد القروض الصغيرة المحملة بفوائد هائلة من بنك التنمية والائتمان الزراعى، لم يشفع للرئيس أن يعفو عنهم أو يلغى أو يخفض هذه الفوائد، لا استناداً إلى قواعد الشريعة، التى ظل يبشر بها وجماعته سنوات طوال، ولا رحمة بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية المزرية.
وعلى الصعيد الخارجى ظل الرئيس وحكومته منذ وصوله يجريان وراء صندوق النقد الدولى من أجل إتمام القرض المصرى معه، الذى يؤكد معظم الاقتصاديين أنه سيكون كارثة على البلاد، على الرغم من أنه محمل بسعر فائدة، أو ربا، حاول مؤيدو الرئيس أن يبرروه بأنه مجرد مصاريف إدارية يمكن السماح بها نظراً لنسبتها الضئيلة من قيمة القرض، فى تحايل واضح على ما ظلوا يتبنونه ويعلنونه عقودا طويلة. وعلى الصعيد الخارجى نفسه لم يفعل الرئيس شيئاً محدداً، ليس فقط لصياغة تحالف إسلامى دولى، بل إنه لم يسع ولو لخطوة واحدة لكى يخفف من قيود معاهدة السلام الجائرة مع «العدو الصهيونى» أو «اليهودى» بلغة جماعة الرئيس وحلفائه، بعد ستة عقود من الدعاية بأنهم ضد دولته المزعومة، وأنهم سيظلون مجاهدين ضدها بكل الصور.
ولم يبق من سياسة الرئيس «الإسلامى» شىء سوى تعيين أعضاء جماعته فى المناصب الرئيسية للدولة، وفى مفاصلها لكى تكتمل خطة التمكين للجماعة وليس للإسلام، والتى لاتزال تتواصل حتى لحظة كتابة هذه السطور بقرب صدور حركة المحافظين الجديدة!
الحقيقة أنه رئيس «إخوانى» وليس رئيساً «إسلامياً».
المــقال الاصـــلي
وفى كل مرة يثور فيها خلاف بين الرئيس وجماعته وبين معارضيه، سواء كانوا قوى سياسية أو فئات من الشعب المصرى، يشرع مؤيدوه فوراً فى تطبيق نظرية «الفسطاطين»: فسطاط الإسلام الذى يقوده الرئيس مرسى, وفسطاط معاداته الذى يضم كل من يتجرأ على نقد سياسات الرئيس وجماعته وحزبه، أو أى جماعة أخرى متحالفة معه. ووصل الأمر، فى ظل التخوفات الكبيرة التى تجتاح المعسكر الأول من احتجاجات 30 يونيو القادم، إلى أن دعا الشيخ السلفى محمد عبدالمقصود، فى حضور رئيس الجمهورية، على منظميها والمشاركين فيها بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم يوم غزوة الأحزاب بالهلاك والفشل والهزيمة. ولم يقف الشيخ، المفترض أنه حامل لكتاب الله ودعوة دينه، عند الدعاء على معارضى الرئيس، بل إنه وصفهم بمباشرة وصراحة بأنهم كافرون ومنافقون، فضلاً عن أن تشبيهه لهم فى دعائه بأنهم لن يكونوا سوى واحدة من ثلاث فئات حاربت المسلمين يوم الأحزاب، وهم الكفار والمشركون الذين حاصروا المدينة واليهود والمنافقون الذين خانوا العهد بداخلها.
وهكذا يأتى المؤتمر الأخير المزعوم أنه لتأييد سوريا، وهو فى الحقيقة لفك الحصار الشعبى عن الرئيس من شعبه، لكى يؤكد الاتجاه المستمر عند مؤيدى الرئيس من جماعته وبعض الجماعات الصغيرة الحليفة، لتحويل الخلاف معه ومع حكمه إلى خلاف بين رئيس مسلم ومعارضين معادين للإسلام. وهنا يطرح سؤال قد يبدو للكثيرين أنه ساذج: ما هى الأدلة والبراهين أو الإشارات أن الرئيس مرسى هو رئيس إسلامى، وأن حكمه هو حكم إسلامى؟
والإجابة الحقيقية لن تكون سوى فى تفحص سريع لما قام به الرئيس وحكمه خلال عام كامل من توليه منصبه الرئاسى، وهيمنة جماعته وحزبه على المجالس التشريعية منذ انتخابها حتى اليوم. وإذا كانت البداية بالمجالس التشريعية والتى وظيفتها الرئيسية هى صياغة القوانين والتشريعات التى يتم تطبيقها فى البلاد، فإن سجل إنجازات مجلس الشعب المنحل ومجلس الشورى قيد الحل يؤكد أنه لم يصدر من هذين المجلسين، خلال عام من حكم الرئيس، وقبلها ستة شهور من عمر المجلسين، أى تشريع أو قانون يمكن وصفه بأنه إسلامى أو أنه يقترب من شعار الإخوان الذى تم إسقاطه مع بدء حكم الرئيس «الإسلام هو الحل». وبالرغم من الدعاية الكثيفة التى أحاطت بحملة انتخاب الرئيس مرسى فى أوساط الإسلاميين، والتى أشاعوها بين بسطاء المصريين بأن هدفه الرئيسى هو تطبيق الشريعة الإسلامية، فلم يصدر الرئيس عندما كانت لديه السلطة التشريعية ولم يتقدم بأى مشروع قانون للمجالس التشريعية حتى اليوم لتطبيق ما سبق وتعهد به بأى من أحكام الشريعة الإسلامية. ولم يستجب الرئيس، طوال عام كامل من الحكم، لا لنداءات بعض من حلفائه الإسلاميين من سلفيين وبقايا جهاديين، ولا من معارضيه بأن يتسق مع شعاراته والتزاماته التى سبق له إعلانها بتطبيق الشريعة الإسلامية على أن يتحمل نتيجة هذا.
ولم يقف الرئيس الموصوف بـ«الإسلامى» عند ذلك، بل إنه أصدر تشريعاً فى نهاية عام 2012 بتعديل القانون الخاص بالضريبة العامة على المبيعات، خالف فيه كل ما أعلنه من التزامات متعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية. فقد زاد الضرائب على السجائر وجميع أنواع الدخان، بالرغم من أنها بحسب جماعته وكثير من حلفائه «مكروهة» وعند بعضهم «محرمة». وذهب الرئيس إلى أبعد من هذا قليلاً، لكى يفرض رسوماً إضافية على القروض التى تمنحها البنوك بفوائد مختلفة للمواطنين والشركات، مؤكداً بذلك شرعية الفوائد بلغة البنوك أو الربا بلغة الشريعة التى يتبناها الرئيس مرسى وجماعته. وذهب الرئيس إلى غاية المدى لكى يزيد من الضرائب على كل أنواع الخمور المحلية والمستوردة، غالية السعر والرخيصة، ومعها أيضاً الرسوم على صالات القمار التى تديرها الفنادق الخاصة وبعض الفنادق المملوكة للدولة، بما يعطى مشروعية منه ومن حكمه لما ظل هو وجماعته يهاجمونه باعتباره مخالفاً للشريعة، وأنهم فور توليهم حكم مصر سوف يوقفونه من أجل إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية.
أما على الصعيد التنفيذى فلم يصدر الرئيس، طوال عام حكمه لا هو ولا وزارته، أى قرار يحمل أى معنى ولو مضمر لتطبيق الشريعة الإسلامية، سواء داخل البلاد أو خارجها، بل أتت كلها تقريباً لكى تسير فى الاتجاه العكسى لها بكل الصور التى ظهرت بها. فقد عين الرئيس محافظاً جديداً للبنك المركزى، وهو رجل كفء ويستحق منصبه، لكن الرئيس لم يكلفه بوقف سياسة الفوائد أو الربا بلغته على القروض والودائع، وظل البنك المركزى وكل النظام المصرفى المصرى يعمل بنفس القواعد فى هذا المجال، التى تعمل بها كل مصارف العالم والموصوفة من الرئيس وجماعته وأنصاره قبل وصوله للرئاسة بأنها سياسات «ربوية» مخالفة للشريعة الإسلامية. وحتى بالنسبة للفلاحين الفقراء الذين صدرت ضد عشرات الآلاف منهم أحكام بالحبس بسبب عدم قدرتهم على سداد القروض الصغيرة المحملة بفوائد هائلة من بنك التنمية والائتمان الزراعى، لم يشفع للرئيس أن يعفو عنهم أو يلغى أو يخفض هذه الفوائد، لا استناداً إلى قواعد الشريعة، التى ظل يبشر بها وجماعته سنوات طوال، ولا رحمة بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية المزرية.
وعلى الصعيد الخارجى ظل الرئيس وحكومته منذ وصوله يجريان وراء صندوق النقد الدولى من أجل إتمام القرض المصرى معه، الذى يؤكد معظم الاقتصاديين أنه سيكون كارثة على البلاد، على الرغم من أنه محمل بسعر فائدة، أو ربا، حاول مؤيدو الرئيس أن يبرروه بأنه مجرد مصاريف إدارية يمكن السماح بها نظراً لنسبتها الضئيلة من قيمة القرض، فى تحايل واضح على ما ظلوا يتبنونه ويعلنونه عقودا طويلة. وعلى الصعيد الخارجى نفسه لم يفعل الرئيس شيئاً محدداً، ليس فقط لصياغة تحالف إسلامى دولى، بل إنه لم يسع ولو لخطوة واحدة لكى يخفف من قيود معاهدة السلام الجائرة مع «العدو الصهيونى» أو «اليهودى» بلغة جماعة الرئيس وحلفائه، بعد ستة عقود من الدعاية بأنهم ضد دولته المزعومة، وأنهم سيظلون مجاهدين ضدها بكل الصور.
ولم يبق من سياسة الرئيس «الإسلامى» شىء سوى تعيين أعضاء جماعته فى المناصب الرئيسية للدولة، وفى مفاصلها لكى تكتمل خطة التمكين للجماعة وليس للإسلام، والتى لاتزال تتواصل حتى لحظة كتابة هذه السطور بقرب صدور حركة المحافظين الجديدة!
الحقيقة أنه رئيس «إخوانى» وليس رئيساً «إسلامياً».
المــقال الاصـــلي
إرسال تعليق