نشرت وكالة "رويترز" الإخبارية تقرير بعنوان "كيف خسر الإخوان المسلمون مصر"، وقالت فيه إنه عندما نزل المصريون بالملايين إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى 2011، قليلون فقط من اعتقدوا أنه من الممكن أن يتظاهروا بعد عامين للإطاحة بالرجل الذى انتخبوه ليحل محل مبارك.
لقد قلب السقوط المذهل للرئيس السابق محمد مرسى والإخوان المسلمين الذين أيدوه، السياسة فى الشرق الأوسط المضطرب للمرة الثانية بعدما أطاح الربيع العربى بمستبدين مخضرمين.
وبعض الأسباب الرئيسية تم تسليط الضوء عليها قبل شهر من عزل بمرسى، عندما التقى اثنين من أبرز وسطاء السلطة فى مصر فى عشاء خاص فى منزل أيمن نور، بالزمالك، فقد كان ينظر إليه من قبل البعض بأنه محاولة لتجنب المواجهة
وكان هذان الوسطيان هما عمرو موسى، السياسى الليبرالى ووزير الخارجية الأسبق فى عهد مبارك، وخيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وممول الجماعة ومخططها الاستراتيجى الأكثر نفوذا، واقترح موسى تجنب المواجهة، على أن يستجيب مرسى لمطالب المعارضة بما فيها تغيير الحكومة.
وقال موسى لـ"رويتر": "أقر الشاطر بما قلته عن الإدارة السيئة للشئون المصرية تحت حكمهم، وأن هناك مشكلة.. وكان الشاطر يتحدث إليه بحذر ويستمع بانتباه".
ووفقا لشهادة موسى، فإن الشاطر الموجود رهن الاعتقال الآن، رد قائلا بأن مشاكل الحكم تعود إلى عدم تعاون الدولة العميقة مع الرئيس المعزول محمد مرسى.
ويتابع موسى قائلاً: "كانت الرسالة التى وصلتنى بعد ساعة هى "موافق"، وأنه سيتناقش معى ويتفق مع بعض ما طرحته ويختلف مع البعض الآخر، لكنهم ليسوا فى أجواء تسمح بالتغيير".
من جانبه، قال أيمن نور رواية مشابهة، وقال إن الشاطر لم يتزحزح، لكنه أضاف أن المحادثات ربما كانت لتبدأ عملة تسوية سياسية لو لم يتم كشف الأمر فى الإعلام.. ويقول نور: "الشاطر شخص عادى وظهوره لا يحمل ميزة، ومظهره يعطى الانطباع بالغرابة والقسوة، إلا أنه مهذب ولطيف".
وتم قطع الاجتماع الذى عقد حول حمام السباحة فى شقة نور ذات الطابقين فى الزمالك عندما علم الصحفيين به، وغادر مرسى الاجتماع وهو على قناعة بأن الإخوان مفرطون فى الثقة وغير أكفاء فى الحكم، وليس لديهم علم جيد بما يجرى فى الشوارع.
لكن العديد من المراقبين المصريين والأجانب كانوا لا يزالون يتوقعون بأن الحركة الإسلامية المتماسكة بإحكام، والتى حصنتها عقود القمع، ستسيطر على مصر والمنطقة لمدة طويلة بعد 60 عاما من حكم رجال الجيش الأقوياء، لكن بدلا من ذلك، فقد أطيح بمرسى من منصبه، بعد احتجاجات معارضة حاشدة.
وتمضى "رويترز" قائلة: إن فشل مرسى يبعث برسائل قوية بأن الفوز فى الانتخابات ليس كافيا لحكم مصر، وأن حكام مصر ما بعد مبارك يحتاجون إلى موافقة من أغلبية الشعب، وغير ذلك، فإن الموقف غير آمن.
وربما تعلم الإسلاميون فى مصر درسهم المرير بأن الدولة العميقة لن تسمح لهم بسلطة حقيقية حتى مع وجود تفويض ديمقراطى.
وهذا التقرير الخاص بـ"روتيرز" الذى يشمل مقابلات مع كبار قيادات الإخوان المسلمين والسياسيين العلمانيين والنشطاء الشباب ودبلوماسيين وضباط بالجيش، تناول أربع نقط تحول فى طريق مصر الثورى: قرار الإخوان بالسعى إلى الرئاسة، الطريقة التى دفع بها مرسى بالدستور، إخفاقات المعارضة العلمانية، وقرار الجيش بالتدخل.
ولم يتسن الوصول إلى مرسى وكبار قيادات الإخوان الذين تم احتجازهم للحصول على تعليقهم.
ومع رفض الإخوان المسلمين الغاضب لترك السلطة، فإن احتمالات أن يكون تحول مصر الثانى نحو الديمقراطية أكثر سلاسة من الأول تبدو ضئيلة، فهذه المرة، يقول الجيش إنه لا يرغب فى ممارسة السلطة بشكل مباشر مثلما فعل فى أعقاب الإطاحة بمبارك.
خوض الانتخابات الرئاسية:فى أعقاب الإطاحة بمبارك، قال الإخوان إنهم لا ينوون الحكم، وطمأنوا العلمانيين بوعود علنية بعدم السعى إلى الرئاسة أو أغلبية برلمانية صريحة.
ويقول ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون الأمريكية والخبير بمؤسسة كارنيجى: التقيت الشاطر ثلاث مرات فى 2011/ 2012، وفى كل مرة كان واضحا أن الشهية السياسية تنمو، إلا أن المرة الأولى كان صريحا للغاية بالقول إن الإخوان المسلمين لن يسعوا إلى السلطة السياسية على الفور.
وكانت الأسباب واضحة جدا، فالعالم ليس مستعدا لذلك، مصر ليست مستعدة لذلك، والجملة التى ظل الشاطر يقولها هى أن أعباء مصر ثقيلة للغاية على أى فصيل سياسى واحد، وقد اتضح أن هذه أحكام سليمة جدا لكنه تخلى عنها.
وبدا زخم الأحداث يزداد، وسيطر الإخوان على البرلمان متحالفين مع الأحزاب الإسلامية الأصغر والمستقلين، لكن سرعان ما وجدوا أنه غير كاف لتمرير تشريع أو تطبيقه مع احتفاظ المجلس العسكرى بالسلطة.
ومع تزايد الإحباطات بدا بعض أعضاء الإخوان ولاسيما الشباب فى الضغط على الحركة لتغيير موقفها وخوض انتخابات الرئاسة والسلطة التنفيذية التى تجلبها.
يقول جهاد الحداد، أحد قيادات الإخوان الشباب إن مكتب الإرشاد كله كان ضد الترشح للرئاسة، فلجأ الحداد و16 آخرين إلى فيس بوك وتويتر لتغيير الآراء.
ويتابع الحداد فى مقابلة أجراها مع رويترز فى منتصف الليل فى اعتصام أنصار مرسى أمام مسجد رابعة العدوية: "لقد ضغطنا، نحن شباب الإخوان المسلمين، ضغطنا حرفيا.. ووضعنا خريطة لأعضاء مكتب الإرشاد وقررنا أى منهم سيتم الضغط عليه لتغيير أصواتهم.. وأضاف أن الجماعة تأخذ أصواتها من القاعدة الشعبية، حتى هذا التصويت".
ورأى المعارضون أن هذه الخطوة سابقة لأوانها وقد تثير الشكوك والعداء إزاء الإخوان، التى اتبعت إستراتيجية التدرج الصبور طويل المدى.
ووصلت المسألة إلى اجتماع ماراثونى لمكتب الإرشاد فى المقطم، ويقول عصام حشيش، عضو مجلس الشورى المنحل: "بقينا على مدار ثلاثة أيام نتناقش، كل فريق يقدم مبررات رأيه، سواء بالرفض أو القبول، وعندما تم التصويت، كان القرار بالموافقة بأربعة أصوات مقابل رفض ثلاثة".
وكانت هذه واحدة من أكثر عمليات التصويت المتقاربة للغاية فى تاريخ الحركة، وتمت على ثلاث جولات، صوت 56 من الأعضاء الـ 108 فى الاقتراع الخاص باختيار مرشح للرئاسة، بينما صوت 52 ضد الفكرة، وبعدها أصبح دعم تقديم الشاطر مرشحا للمنصب كاسحاً.
وكان الإخوان قد فكروا فى ترشيح شخص من خارج الجماعة وتقربوا من المستشارين أحمد مكى وحسام الغريانى، وكلاهما رفض.
ويقول المطلعون أن كاريزمة الشاطر وطموحه كان العاملون الرئيسيون لترشحيه، فكان الرجل البارع فى تجارة الأثاث والتسوق هو السياسى المسيطر فى الجماعة، ووصف رفاقه والدبلوماسيون الأجانب بأنه قوى ومفاوض براجماتى اعتاد الحصول على ما يريد.
لكن تم استبعاده من قبل لجنة الانتخابات لإدانته بارتكاب جرائم جنائية عام 2007، حتى لو بدت هذه الاتهامات ذات دوافع سياسية.
ويقول حشيش إنه عندما اختار الإخوان مرسى للترشح (بعد انسحاب الشاطر) على حد وصفه، عاد مرسى إلى منزله يبكى فقد تم إعطاؤه مسئولية لم يسع إليها، وكان معروفا أن أى من سيتولى المسئولية فى هذا الوقت فلن يجد الطريق مفروشا بالورود، وكنا نعلم أيضا أن لا أحد فى هذا الوقت يستطيع القيام بالأمر بالطريقة التى فعلنا.
وانتقلت رويترز بعد ذلك للحديث عن الدستور، وقالت إن مرسى بعد تنصيبه رئيسا، تحرك سريعا لتشكيل الجيش، وخلال ستة أسابيع استدعى المشير حسين طنطاوى وقال له أن يتقاعد وكذلك فعل مع رئيس الأركان سامى عنان، وعين مرسى الفريق أول عبد الفتاح السيسى قائداً عاما للقوات المسلحة.
وفى واحد من أكبر سوء الفهم الذى شهدته فترة مرسى فى الحكم، اعتقاد الرئيس السابق بأنه ختم سلطته على الجيش.. ويقول أحد رجال الجيش برتبة عقيد: "لقد أخطأ الإخوان قراءة ما يحدث، فالجيش ظل ينظر بشك عميق لرئيس الدولة، الذى أعتقد أنه يرى مصر كجزء من خلافة إسلامية أكبر".
ويقول دبلوماسى غربى رفيع المستوى إن مرسى اعتقد أن الجيش لن يتحرك ضده، لاسيما إذا اهتم الإخوان بوضع الجيش فى الدستور، لقد كان يعتقد أن السيسى هو رجله.
الإعلان الدستورىوتطرقت الوكالة للحديث عن مناقشات الدستور ولإصدار مرسى الإعلان الدستورى فى نوفمبر الماضى، وقال أيمن نور إن هذا الإعلان كان غلطة كبيرة، فقد كان لا يزال ممكنا إعادة بناء الثقة بين مرسى والقوى السياسية، إلا أنه لم يكن هناك محاولات كافية من الجانبين لبناء هذه الثقة.
وتتابع "رويترز" قائلة عن الإعلان الدستورى كان نقطة تحول، فلم يتم استشارة الوزراء، والعديد من أعضاء فريق مرسى حذروا من أنه قد يثير نهج المواجهة مع المجتمع المدنى، واستقال خمسة من مستشاريه، إلا أن مرسى أدى نفس الإصرار والثقة فى النفس التى اتسمت بها قراراته الرئيسة الأخرى.. ويقول جهاد الحداد، نعرف شيئا واحدا عن هذا الرئيس، إنه عنيد كالجحيم.
وأثار الإعلان الدستورى أسابيع من المظاهرات أمام قصر الاتحادية والتى تعرض لقنابل حارقة وحجارة، وبعدما فشلت الشرطة والحرس الجمهورى فى حماية الرئاسة، وأوفد الإخوان حراسهم الأمنيين أمام القصر ليدخلوا فى معارك ضارية ضد معارضة مرسى فى 6 ديسمبر.
وانتقل التقرير إلى احتجاجات بورسعيد فى يناير الماضى، وقرار الرئيس فرض حظر التجول فى مدن القناة الثلاثة، لكنه كافح لتطاع أوامره.
وقال أحمد مكى، وزير العدل الأسبق، إن الأهالى كانا يلعبون الكرة فى الليل مع جنود الجيش الذى كان من المفترض أن يقوم بحظر التجول، ولذلك عندما أقوم كرئيس بحظر التجول ولا يلتزم المواطنين ولا الجيش، فينبغى أن أعرف أننى لست رئيسا حقاً.
وعلى مدار أشهر تنقل الدبلوماسى الأوروبى بيرناردينو ليون بين قادة جبهة الإنقاذ ومكتب مرسى وحزب الحرية والعدالة مع الاتصال بالجيش، وبحلول إبريل أنتج ليون مشروع اتفاق يتطلب حل وسطا من جانب مرسى ومعارضيه، لكن مرسى لم يتبن أبدا مبادرة الاتحاد الأوروبى التى قدمت إليه فى بريد إلكترونى يوم 11 إبريل على الرغم من أنه لم يرفضها أيضا. وقد جعلت الأحداث بعد ذلك الاتفاق بعيد المنال.
واقترح الحداد الذى كان أحد المتفاوضين مع ليون أن قادة جبهة الإنقاذ منقسمون جدا لدرجة أنهم لا يستطيعون الاتفاق، واعترف خالد دواد بأن الجبهة كانت بها شخصيات كبيرة وغرور إلا أنهم يتفقون معا عندما يكون الأمر مهم، وربما كان السبب الرئيسى فى تعثر الاتفاق هو أن الإسلاميين اعتبروا أن الجبهة الإنقاذ ليست ذات مغزى سياسى.. فيقول الحداد : هناك طرفان فقط فى هذه اللعبة، النظام القديم والإخوان المسلمون، والبقية يختارون معسكرا. وهذه حقيقة لا تعجب الجميع، لكنه واقع لا يمكن تغييره - على حد زعمه.
ويقول عضو من فريق ليون إنها عندما جاءت كاثرين آشتون منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى لمصر فى 18 يونيو، وكان الحال قد تدهور: "وجدنا رئيسا منفصلا عن الواقع، وكانت رسالة الزيارة أن نقول له سيدى الرئيس الوقت ينفذ منك، والوقت ينفذ من البلد".
30 يونيو:أدت المشكلات الاقتصادية إلى التأييد الشعبى لحركة تمرد فاستطاعت أن تجمع استمارات سحب الثقة من مرسى من 22 مليون مواطن، وكان قادة الإخوان مقتنعون بان تمرد ممولة من الخارج ومن المصريين المنفيين، لكن الواقع بدا أكثر عفوية، رغم وجود بعض الوجوه غير المألوفة التى يشتبه فى علاقتها بالأجهزة الأمنية فى مكاتب الحركة فى الأيام الأخيرة.
ويقول رجل الأعمال نجيب ساويرس إنه ألقى بثقله وخلف حركة تمرد، وان حزب المصريين الأحرار الذى قام بتأسيسه استخدم فروعه فى جميع أنحاء مصر فى جمع التوقيعات لتمرد، وكذلك محطة التلفزيون التى كان يملكها وصحيفة المصرى اليوم ووسائل الإعلام الخاصة كانوا يدعمون حركة تمرد.
وأضاف: من الإنصاف أن أقول إنه شجع كل الانتماءات لدعم الحركة، لكن لم يكن هناك تمويل لأنه لم تكن هناك حاجة لذلك.