الجـــديد

البراهمي الناصري دينامو الثورة التونسية

Written By Unknown on الخميس | 25.7.13


 خرج آلاف التونسيين، إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة، بعد اغتيال محمد البراهمي مؤسس حزب "التيار الشعبي" ومنسقه العام، فيما اتهمت شقيقة القتيل حزب النهضة الحاكم بقتله، مؤكدة أنه لا مكان للإسلاميين بيننا.
وحسب تقرير بثه موقع (ميدل ايست أونلاين)، قال محسن النابتي القيادي في حزب "التيار الشعبي" الذي فقد منسقه العام ومؤسسه محمد البراهمي في جريمة اغتيال بتونس الخميس: إن حزبه سيتعامل مع الوضع في بلاده على أساس أن تونس واقعة تحت احتلال التيار العالمي للإخوان المسلمين، الأمر الذي يستوجب مقاومته.
ويأتي تصريح النابتي، وهو الناطق الرسمي باسم الحزب الجديد ذي الخلفية القومية الناصرية في سياق ردود الأفعال الغاضبة في تونس، وفي العالم المنددة بجريمة الاغتيال النكراء.
واغتيل محمد البراهمي النائب في المجلس الوطني التأسيسي الخميس، ليكون بذلك ثالث اغتيال سياسي في تونس في أقل من عام والثاني في ستة أشهر.
وأكد مسئول بوزارة الداخلية التونسية ووكالة تونس إفريقيا للأنباء، وعدد من وسائل الإعلام التونسية، نبأ وفاة البراهمي الأمين العام للتيار الشعبي والقيادي بالجبهة الشعبية اليسارية.
وتوفي البراهمي (58 عامًا) المعارض بدوره لحزب النهضة الإسلامي الحاكم، في مستشفى محمود الماطري بمحافظة أريانة المتخمة لتونس العاصمة، والذي نقل إليه متأثرًا بجراحه بعد إصابته بـ11 طلقًا ناريًا في بيته بضاحية حي الغزالة القريبة، بحسب معلومات أولية.ويعد البراهمى، هو الأمين العام السابق لحركة الشعب، قبل أن يؤسس حزب التيار الشعبى، كما أنه المتحدث باسم تيار القوميين الناصريين فى تونس، وأحد رموز مدينة سيدى بوزيد التى تعدّ مهد الربيع العربى، عندما اندلعت فيها احتجاجات على خلفية انتحار البائع محمد البوعزيزى، وكان البراهمى أحد المحركين لتلك الاحتجاجات.
كما أنّ فصيله انضم فى الآونة الأخيرة إلى الجبهة الشعبية، التى أسسها المعارض البارز الآخر الذى تم اغتياله فى فبراير الماضى، شكرى بلعيد بمعية زعيم حزب العمال حمة الهمامى.
ولد محمد البراهمى عام 1955 فى أحد أرياف محافظة سيدى بوزيد، درس المحاسبة وتخرج بإجازة فى تخصصها عام 1982 ،وعمل مدرسا ثم فى هيئة حكومية قبل أن يغادر إلى المملكة العربية السعودية، التى عمل فيها سنتين.
برز فى الجامعة التونسية بنشاطه ضمن فصيل "الطلاب العرب التقدميون الوحدويون" ذى النفس الناصرى، والذى يعتمد أدبيات المفكر السورى ميشيل عفلق مرجعية له.
وأسس عام 2005 حركة الوحدويين الناصريين، التى كانت ممنوعة خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن على، مما جعله يعتقل مرتين.
وشارك بكيفية حثيثة فى الاحتجاجات التى شهدتها سيدى بوزيد، والتى أدت لاحقا إلى إطاحة بن على ،و أسس بعد الثورة التونسية برفقة رفيقه السابق أحمد الصديق، محامى صدام حسين، حركة الشعب قبل أن يستقيل منها ويؤسس حركة جديدة هى "التيار الشعبي".
ومن جانبها، اتهمت شهيبة البراهمى (50 عاما) شقيقة " محمد البراهمى" حركة النهضة التونسية الحاكمة باغتياله بالرصاص.
وقالت "إن حركة النهضة هى التى قتلت أخى منذ اغتيال المعارض اليسارى شكرى بلعيد فى السادس من فبراير الماضى كان لنا إحساس بان محمد (البراهمى) سيلقى نفس المصير"، وأضافت وهى فى حالة انفعال شديد "لا نريد بعد اليوم أن يعيش معنا أصحاب اللحى.
كما قرر الاتحاد العام التونسى للشغل أكبر منظمة عمالية فى تونس عن إضراب عام غداً الجمعة بعد مقتل محمد البراهيمى.
وقال سامى الطاهرى المتحدث باسم الاتحاد اليوم الخميس "المكتب التنفيذى للاتحاد قرر الإضراب وهو اضراب سياسى دفاعا عن تونس واحتجاجا على هذا الاغتيال السياسى الجديد وخوفا من ان تنساق البلاد إلى حمام الدم". ‭‭
‬‬وسيكون هذا ثانى إضراب عام فى البلاد فى عام بعد إضراب سابق فى الثامن من فبراير الماضى إثر اغتيال المعارض شكرى بلعيد.
ومن جانبها، أدانت رئاسة الجمهورية التونسية ا اغتيال محمد البراهمى وقالت فى بيان "تدين رئاسة الجمهورية الجريمة النكراء التى اختار المخططون ذكرى عيد الجمهورية موعدا لتنفيذها.
ولفتت أن حدوث الاغتيال فى وقت أوشك فيه المجلس الوطنى التأسيسى على تركيز هيئة تنظيم الانتخابات وبالتالى توضيح نهاية المرحلة الانتقالية الحالية، وفى وقت تشهد فيه بعض الدول الشقيقة مصر تحولات دموية بعد ايقاف العملية الديمقراطية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك الأهداف الحقيقية لمخططى وممولى ومنفذى هذا الاغتيال البشع.
ودعت الرئاسة التونسيين إلى عدم الوقوع فى هذا الفخ الذى أراد من خلاله المجرمون الايقاع بنا جميعا وإحلال التناحر والعنف محل الوفاق الوطنى والتطور السلمى، وتهيب بكل الطبقة السياسية الوعى بأن من أطلق رصاصات الغدر على محمد البراهمى إنما أراد توجيهها نحو كل المسار الديمقراطى وايقاع البلاد فى جحيم الفتنة".
وقالت "قوى الفساد العميقة، بغض النظر عن المنفذين الذين استعملتهم هذه المرة لتنفيذ جريمتها الجديدة، تتربص بمستقبلنا، وإن أكبر ضربة يمكن أن توجه إليها وإلى مخططاتها هى بقاؤنا متحدين فى وجه كل ما يستهدف استقرارنا وأمننا جميعا".

جيفارا: الثورة الحلم ..وواقعية الثورة

Written By Unknown on الجمعة | 14.6.13



ارنستو "تشي" جيفارا (14 يونيو 1928 - 9 أكتوبر 1967) المعروف باسم تشي جيفارا، أصبحت صورته المنمقة منذ وفاته رمزاً في كل مكان وشارة عالمية ضمن الثقافة الشعبية.
سافر غيفارا عندما كان طالبا في كلية الطب في جامعة بوينس آيرس الذي تخرج منها عام 1953, إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية مع صديقه ألبيرتو غرانادو على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الكلية, وكونت تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أمريكا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على المزارع اللاتيني البسيط، وتغير داخلياً بعد مشاهدة الفقر المتوطن هناك.
آمن "أرنستو جيفارا" أن التحرر من الظلم ليس مطلب شعبه وحده، إنما مطلب كل الشعوب، لهذا رحل عن كوبا لمناصرة قضايا أخرى مثل تشيلى، وفيتنام، والجزائر، مردداً مقولته الشهيرة "إننى أحس على وجهى بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم فى هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطنى".
بعد أن التحق بكلية الطب عام 1947، وعندما فى الحادية والعشرين من عمره، قام بجولة طويلة إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، استمرت حوالى 8 أشهر على دراجة نارية، بمرافقة مع صديق له كان أكبر منه سنا وأقرب إلى السياسة.
ومن هنا بدأ جيفارا استكشاف الواقع الاجتماعى للقارة، وبدأ وعيه يتفتح بعد أن رأى حياة الجماعات الهندية، وعاين بنفسه النقص فى الغذاء والقمع، ومارس الطب مع عمال أحد المناجم، فكونت تلك الرحلة شخصيته، وإحساسه بالظلم.
استنتج جيفارا حينذاك أن التفاوتات الاقتصادية متأصلة بالمنطقة، نتيجة الرأسمالية الاحتكارية والاستعمار الجديد والإمبريالية، ورأى أن العلاج الوحيد هو الثورة العالمية.

الثورة الكوبية
برغم رقته البالغة إلا إنه اتخذ من العنف سلاحاً لأنه أيقن أن الشعوب المسلحة هى فقط القادرة على صنع مقدراتها، فعقب الانقلاب العسكرى فى كوبا، تعرف على "فيدل كاسترو" وانضم إلى الثورة الكوبية للإطاحة بالنظام الديكتاتورى المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، واتجها الاثنان إلى كوبا، وبدأ الهجوم الأول الذى قاما به، ولم يكن معهما سوى ثمانين رجلاً لم يبق منهم سوى سبعة رجال فقط، وبرغم فشل هذا الهجوم، إلا أنهم اكتسبوا مؤيدين كثيرين خاصة فى المناطق الريفية، وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين حتى دخلت العاصمة هافانا فى يناير 1959 منتصرين بعد أن أطاحوا بحكم الديكتاتور "باتيستا"، وفى تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب "تشى" ويعنى رفيق السلاح.
عقب الثورة الكوبية كان جيفارا قد وصل إلى أعلى رتبة عسكرية "قائد"، وبعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة، وعلى رأسها "فيدل كاسترو" تولى جيفارا عدد من الأدوار الرئيسية، وشمل هذا إعادة النظر فى الطعون وفرق الإعدام على المدانين بجرائم الحرب خلال المحاكم الثورية، وأسس قوانين الإصلاح الزراعى عندما كان وزيراً للصناعة وعمل أيضا كرئيس ومدير للبنك الوطنى، ورئيس تنفيذى للقوات المسلحة الكوبية، كما جاب العالم كدبلوماسى باسم الاشتراكية الكوبية.
قام جيفارا بزيارتين لمصر، واستقبله فيهما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الأولى كانت فى يونيو 1959، لدراسة تجربة الإصلاح الزراعى فى مصر آنذاك، والثانية فى فبراير 1965م، وتحدث عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى مقال له بعنوان "عبد الناصر وجيفارا.. الحلم.. والثورة"، يسرد هيكل وقائع المقابلات والنقاشات التى تمت بينهما، والتى تعكس فى أغلبها رومانسية جيفارا، وواقعية عبد الناصر.
جدير بالذكر أنه فى هذه الزيارة رافق جيفارا عبد الناصر فى افتتاح مصنع للحديد، فرأى جيفارا الاحتفاء الجماهيرى الكبير الذى استقبل به المصريون عبد الناصر، فهتف "هذا ما أريده..هذا هو الغليان الثورى"، فرد عبد الناصر على جيفارا "حسنا.. لكنك لا تستطيع أن تحصل على هذا"، وأشار إلى الجمهور "دون ذاك"، ثم أشار إلى المصنع، وقال: "لن تستطيع إدراك النجاح ما لم تنشئ ذلك المصنع.
وفى آخر اجتماع بينهما، أبلغ جيفارا الرئيس عبد الناصر أنه لا يظن أنه سيبقى فى كوبا، وقال إنه لم يقرر بعد أين سيذهب، لكن الشىء الوحيد الذى ينتظره هو أن يقرر "أين يعثر على مكان يكافح فيه من أجل الثورة العالمية ويقبل تحدى الموت".

غادر جيفارا بعد ذلك كوبا لمساندة الثورات الأخرى فى "تشيلى، وفيتنام، والجزائر" فاتجه إلى الكونغو، ولكن فشلت هذه الثورة لأسباب عديدة، فعاد إلى كوبا، ثم سافر إلى بوليفيا لمساندة ثورتها، وفى يوم 8 أكتوبر 1967م، وفى أحد وديان بوليفيا الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفى المكونة من 1500 فرد، مجموعة جيفارا المكونة من 16 فرداً، وظل القتال بينهما مستمراً 16 ساعة، واستمر جيفارا فى القتال بعد موت جميع أفراد مجموعته، حتى نفذت ذخيرته، وأصيب بجروح فى ساقه، فتم إلقاء القبض عليه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية بمساعدة القوات البوليفية وتم أعدامه بالرصاص، فمات، مقاتلاً، مناضلاً حتى النهاية، تاركاً لنا دعوة مفتوحة تصلح لأى زمان ومكان، للنضال ضد أى ظلم للتحرر من كل ما يقيد تفكيرنا وأفعالنا.

الرمز والأسطورة فى عام 1968، أى بعد وفاته بأقل من سنة واحدة، غضب شبان العالم وخرجوا إلى الشوارع، معلنين أنهم يستطيعون إنهاء الحروب وتغيير ملامح العالم، وقد تحول هذا الرجل الثائر بعد موته إلى شهيد لقضاياهم، وأصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره، وكأن الموت حول ملامحه، ما يوحى بأنه لو منحه أعداؤه الحق فى الحياة، لربما عجزت أسطورته عن احتلال هذا المدى العالمى الذى تنعم به اليوم.

محمــد بديع :مرشد بطعم ورائحة نهضة الاخوان

 
هو مرشد عصر «النهضة» بامتياز.. نهضة جماعة الإخوان المسلمين.. وليس نهضة مصر.. كما يُريد البعض أن يسمّيها.. لأن نهضة «الحكم الرشيد» الذى جعل من وجود «مندوب» من جماعته على سدة الحكم فى مصر لم تظهر بعد.. كما أن مشروع «النهضة» الانتخابى الذى جاء «بالمندوب» إلى قصر الرئاسة لم يُرَ له أى كرامات حتى الآن على الأقل. الدكتور محمد بديع، المرشد الثامن لجماعة الإخوان المسلمين، الذى يُدير مصر من خلف ستار، صاحب اللحظة الفارقة، والنظرة الثاقبة بأن مصر باتت على أعتاب حكم الإخوان الأبدى، بدستور «إخوانى» منقطع النظير، وليس كما يقول المستشار حسام الغريانى بأن به هدايا كثيرة على طريقة برامج المسابقات.. لكن لأنه دستور بلا إجماع وطنى.
حال لسانه اليوم يقول «فليرقد الشهيد فى سلام».. قاصداً الشهيد حسن البنا.. وليس شهداء مظاهرات ثورة يناير طبعاً.. واليوم تحديداً سيدعو «مندوبه» فى الرئاسة إلى دستوره الذى فى السماء.. سماء المقطم التى تسطع من داخل مكتب الإرشاد.
وعلى الرغم من أن المعارضين يقولون «هيهات»، فإن الدكتور بديع، الذى يشبه إله «القوة» فى الأساطير الإغريقية، لقدرته على إدارة الحياة السياسية فى مصر من دون أن يُرى رأى العين.. لكن الشعب يوقن أنه وراء كل ما يجرى، بيد أنه يمضى فى طريقه غير عابئ بدروس التاريخ التى من بينها أن إله «القدرة» الإغريقى أسطورة منافية للشرع والشريعة!
كما أن ديكتاتورية الأغلبية التى تتلبسه حالتها اليوم لا تدوم.. لن تسمن من جوع أو تغنى عن سقوط، سنوات قليلة فقط وتدور الدوائر.. كما حدث مع مبارك، الذى كان يرى فى معارضته قلة قليلة مندسة. فإذا بها تكبر يوماً بعد يوم.. ككرة الثلج.. لتلقى به فى النهاية مذموماً مدحوراً فى سجن طرة.
هو الدكتور محمد بديع عبدالمجيد سامى، المولود فى 7 أغسطس عام 1943 بالمحلة الكبرى، الذى جاء مرشداً لجماعة الإخوان المسلمين فى 16 يناير عام 2010.. أحد أحلك أوقات التضييق فى حياتها، جاء بعدها فجر الحرية، ثم الآن فجر الديكتاتورية، كما يراه المعارضون.
دعا حلفاءه من الجماعات السلفية إلى تنظيم مليونية رداً على مليونية القوى المعارضة بالتحرير للإعلان الدستورى ومن بعده الدستور الجديد، زحف الآلاف بالطبع وتظاهروا لتأييد الرئيس.. للرد أولاً.. وللتأييد ثانياً.. ثم لإعلان الرئيس الدعوة للاستفتاء على الدستور ثالثاً.. لتكون غطاءً شعبياً «للقرار» قبيل أن تصدر المحكمة الدستورية اليوم حكمها فى اللجنة التأسيسية ومجلس الشورى.


نقلا عن : الوطن 

البطل أحمد عبد العزيز: الجرئ المتهور

Written By Unknown on الاثنين | 20.5.13


البطل أحمد عبد العزيز وُلد أحمد عبد العزيز في مدينة (الخرطوم) في (18 من جمادى الآخرة 132هـ = 29 من يوليو 1907م) حيث كان يعمل أبوه ضابطًا بالجيش المصري في السودان، ولا يُعرف كثير عن حياته الأولى.
قدم من مصر تاركًا رتبته ووظيفته العسكرية ليلحق بركب المجاهدين على أرض فلسطين قائدًا للمتطوعين إنه القائد البطل أحمد عبد العزيز.
لم يكن والد أحمد عبد العزيز -الذي كان يعمل ضابطًا في الجيش المصري المتواجد في السودان- يعلم أن ولده الصغير الذي رزق به يوم 29 من نوفمبر 1947م في مدينة الخرطوم سيخط اسمه في التاريخ، وأنه سيرث منه بشكل خاص الوطنية والكرامة وحب الحياة العسكرية والنضال، فقد كان موقف والده من ثورة عام 19 في مصر علامة فارقة في حياته، علمته أهمية العمل الوطني والجهاد في وجه الاستعمار والاحتلال فعندما سمح والده للجنود التابعين له بالخروج من ثكناتهم والمشاركة في المظاهرات التي كانت تموج بها شوارع القاهرة، وهو ما تسبب في إثارة غضب سلطات الاحتلال الإنجليزي ضده وأدى إلى عزله من الجيش، أعطى ابنه درسًا عظيمًا في التضحية بالمناصب من أجل الأوطان، وهو ما دفع أحمد عبد العزيز إلى إكمال مسيرة والده فاتجه بعد تخرجه في المدرسة الثانوية إلى الكلية الحربية، وتخرج فيها سنة 1928م ثم الْتحق بسلاح الفرسان، حيث تميز بشكل كبير في الفروسية وكان بطلاً فيها، وفاز بالعديد من البطولات على مستوى القطر المصري
كان لهذه البيئة التي عاش فيها البطل أحمد عبد العزيز كبير الأثر في غيرته على أراضي المسلمين ومقدساتهم، فقد تعلم حب الوطن والزود عنه من والده، وأيضًا تعلم التضحية بالغالي والنفيس من أجل الأوطان.
الأخلاقيات والإنسان
وعُرف (أحمد عبد العزيز) بين زملائه وتلاميذه بالإيمان العميق، والأخلاق الكريمة، والوطنية الصادقة، وحب الجهاد، والشغف بالقراءة والبحث، وزادته الفروسية نبل الفرسان وترفعهم عن الصغائر والتطلع إلى معالي الأمور
فكره العسكري
امتاز البطل أحمد عبد العزيز بخصلتين هما الأساس التي ارتكزت عليه شخصيته:
1- جرأة غامرة، وولع بالمخاطر وصل به إلى حد التهور، وكثيرًا ما كان يعرض نفسه لأخطار شديدة، حتى أشفق عليه ضباطه، فلم يكن يجيبهم إلا بكلمة واحدة: {لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51].
2- اعتزاز بشخصيته وكفايته: كان كثيرًا ما يصل به إلى حد الغرور.
وهاتان الخصلتان هما اللتان دفعتاه للزج بكتيبته في أخطار شديدة والقيام بالأعمال الخارقة التي ظلت الصحف تتداولها طوال فترة الحرب، وهاتان الخصلتان أيضًا هما اللتان دفعتاه لأخطاء جسيمة عصفت بالكثيرين من رجاله، وأثرت تأثيرًا بعيدًا في النتيجة العامة للحرب
3- المبادأة: حوى فكر أحمد عبد العزيز العسكري على المبادأة فكان يبدأ بالهجوم على اليهود في كل مرة إلى أن علم أن حرب العصابات تؤتي ثمارها أكثر من الحرب النظامية فعمد إلى حرب العصابات، يقول الأستاذ كامل الشريف: وكانت خطة أحمد عبد العزيز ترمى إلى مهاجمة المستعمرات اليهودية، وكان يريد أن يسلك الخاطئ الذي سارت فيه قوات الإخوان الحرة من قبل
أهم المعارك ودوره فيها
لم تطل إقامته في (خان يونس) فبدأ عملياته بأن أرسل قوة صغيرة من الإخوان تهاجم قافلة يهودية فاشتبكت معها في (13) مايو وأرغمتها على الفرار، لكن أول المعارك الكبيرة التي خاضها أحمد عبد العزيز مع العصابات الصهيونية كانت ضد مستعمرة كفار داروم التي ما زالت جاثمة على أرض قطاع غزة، وقد شارك أحمد عبد العزيز بنفسه في جمع المعلومات عن المستعمرة بعد أن تنكر في زي فلسطيني مع مجموعه من مساعديه، ووضع خطه محكمة للقضاء على المستوطنة إلا أن المعركة لم تؤدي إلى الغرض المطلوب بسبب التحصين الشديد للمستعمرة وتلغيم المناطق المحيطة بها، لكن قوات المتطوعين قامت بمحاصرة المستعمرة ومنعت أي إمدادات في الوصول إليها وخلال ذلك دارت معركة مع قافلة إمدادات حاولت فك الحصار وكانت نتائجها قتل كل من في القافلة والاستيلاء على خمس عشرة سيارة مصفحة وكميات كبيرة من الذخيرة والإمدادات.
ولما بدأت قوات الجيش المصري الرسمية تتقدم إلى فلسطين عرضت على (أحمد عبد العزيز) العمل تحت قيادتها، فتردد في قبول العرض، واحتج بأنه يعمل مع جماعات المتطوعين الذين لا يلتزمون بالأوضاع العسكرية التي يلتزم بها الجيش النظامي، ثم قَبِلَ في آخر الأمر أن يتولى مهمة الدفاع عن منطقة بئر السبع ولا يتجاوزها شمالاً؛ وبذلك يتولى عبء حماية ميمنة الجيش المصري والدفاع عن مدخل فلسطين الشرقي.
وجمع أحمد عبد العزيز قواته واخترق بهم صحراء النقب مارًّا بمستعمرة (العمارة) حيث ضربها بمدفعيته في (17 مايو) ودخل بئر السبع وقابله السكان مقابلة رائعة ولم يكد يستقر بها حتى بدأ أولى حركاته بضرب مستعمرة(بيت إيشل) الحصينة ثم شرع في توزيع قوته على هذه المنطقة فأرسل جزءًا بقيادة البكباشي زكريا الورداني ليحتل العوجة والعسلوج العربيتين، وأبقى جزءًا آخر بقيادة اليوزباشي محمد عبده ليتولى الدفاع عن مدينة بئر السبع ومنطقتها
معركة مستعمرة رمات راحيل
كانت مستعمرة (رمات راحيل) تشكل خطورة؛ نظرًا لموقعها الاستراتيجي المهم على قرية (صور باهر) وطريق القدس- بيت لحم، لذا قرر أحمد عبد العزيز احتلال المستعمرة وقاد هجومًا عليها يوم الاثنين 24/5/1948م بمشاركة عدد من الجنود والضباط والمتطوعين الأردنيين.
بدأ الهجوم بقصف المدافع المصرية للمستعمرة، بعدها زحف المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا أغلب الأهداف المحددة لهم.. ولم يبق إلا منزل واحد احتمى فيه مستوطنو المستعمرة.. وحين انتشر خبر انتصار أحمد عبد العزيز، بدأ السكان العرب يفدون إلى منطقة القتال لجني الغنائم، والتفت العدو للمقاتلين، وذهبت جهود أحمد عبد العزيز في إقناع الجنود بمواصلة المعركة واحتلال المستعمرة أدراج الرياح, وأصبح هدف الجميع إرسال الغنائم إلى المؤخرة..
ووجد (أحمد عبد العزيز) نفسه في الميدان وحيدًا إلا من بعض مساعديه، كما حدث للنبي محمد حين تخلى عنه صحبه في معركة (أحد), وكما تغيرت نتيجة المعركة التي قادها النبي , وصلت التعزيزات لمستعمرة (رمات راحيل) وقادت العصابات الصهيونية هجومًا في الليل على أحمد عبد العزيز ومساعديه الذين بقوا, وكان النصر فيه حليف الصهاينة, وكان على العرب الوقوع في نفس الحفرة، على الأقل مرتين.!
معركة كفار ديروم
تلقى البطل أحمد عبد العزيز نبأ الهزيمة في كفار ديروم فجزع جزعًا شديدًا وألم لفقد هذا العدد الضخم من خيرة رجاله دون أن يحقق أدنى نتيجة، فصمم على أن يوقع باليهود درسًا مرًّا، وأعاد لقوته روحها المعنوية التي كادت تتلاشى بعد هزيمتها في (كفار ديروم).
ضرب المجاهدون حصارًا محكمًا حول المستعمرة وفي اليوم التالي للمعركة حاول العدو تحطيم هذا الحصار وإدخال قافلة كبيرة محملة بالجنود والعتاد، وكانت هي الفرصة التي ينتظرها أحمد عبد العزيز ويسيل لها لعابه فنظم لها (كمينًا) محكمًا، وحشد مدافعه على سفوح التلال المشرفة على الطريق، وحين دخلت في الدائرة التي رسمها أمر اليوزباشي (حسن فهمي) قائد مدفعيته فانطلقت المدافع من أبعاد قريبة وحاول اليهود الدفاع عن أنفسهم بادئ الأمر، ولكنهم وجدوا بأنفسهم محصورين داخل حلقة فولاذية فاختاروا أهون الضررين، وقذفوا بأنفسهم من المصفحات وحاولوا النجاة بأرواحهم والفرار إلى مستعمرة (كفارديروم).
وكانت هذه خطوة محسوبًا حسابها في الخطة إذ كان الأخ المجاهد (على صديق) يقود فصيلة من المشاة مختبئة بعناية وراء التلال القريبة فلم يكد اليهود ينزلون من المصفحات ويتحركون تجاه المستعمرة حتى انطلقت الرشاشات من كل صوب فحصدتهم حصدًا، ولم ينج منهم أحد، وحاول حماة المستعمرة نجدة إخوانهم، وتركهم الإخوان يغادرون الأسلاك الشائكة ويبتعدون عنها ثم بدءوا يطلقون عليهم النار من (أوكار) معدة بعناية حتى سقط منهم عدد كبير، وتراجع الباقون إلى المستعمرة وسكتت المدفعية وأطبقت الرشاشات أفواهها الملتهبة، وأخذ المجاهدون يحصون ما غنموه فإذا هم أمام خمس عشرة مصفحة ضخمة مشحونة بأحدث طراز من الأسلحة والذخائر ومواد التموين، ولأول مرة تعلو وجوههم ابتسامات الفرح بعد هزيمة الأمس حين فتحوا إحدى المصفحات فوجدوها مليئة بالدجاج والطيور من مختلف الأنواع والأحجام.
وكان نصرًا رائعًا رد لهذه الكتيبة المجاهدة اعتبارها وعوض لها خسارتها وبعد هذه المعركة تغير الموقف واقتنع أحمد عبد العزيز بالنظرة الأولى وهي أن مهاجمة المستعمرات دون أن يكون معه عدد من الدبابات الثقيلة إن هو إلا ضرب من الانتحار فأخذ يستخدم (تكتيكات) العصابات ويضرب المستعمرات بمدفعيته دون أن يهاجمها ويعترض طريق القوافل المصفحة ويبيدها عن آخرها حتى أزعج اليهود إزعاجًا شديدًا وحرم عليهم التجول في صحراء النقب، وكان مقدرًا لهذه الحركة أن تحرز نجاحًا رائعًا لولا ماجد على الموقف الحربي من أحداث وتطورات.
من كلماته
قال البطل أحمد عبد العزيز في كلمة وجهها إلى المتطوعين على أرض فلسطين:
"إن حربًا هذه أهدافها هي الحرب المقدسة وهي الجهاد الصحيح الذي يفتح أمامنا أبواب الجنة، ويضع على هامتنا أكاليل المجد والشرف.
ولا تنسوا أن هذه الأراضي التي سنحارب عليها قد حارب أجدادنا عليها في عصور مختلفة، وسجلوا لنا مجدًا عظيمًا خالدًا، فلنرد هذا المجد الأبدي ولنخش غضب الله وكلمة التاريخ إذا نحن قصرنا في أمانة هذا الجهاد العظيم".
وقال: "نحن نحارب لحماية بلادنا وأولادنا وأحفادنا وأعراضنا وآمالنا في المستقبل من خطر اليهود الذي لا يضاهيه خطر في الشرق".
وفاته
أحرز البطل أحمد عبد العزيز والمتطوعين معه انتصارًا رائعًا مما جعله يملي إرادته على اليهود ويضطرهم للتخلي عن منطقة واسعة مهددًا باحتلالها بالقوة، وكانت المفاوضات تدور في مقر قيادة الجيش العربي بالقدس ويحضرها الكولونيل (عبد الله التل) القائد العربي في المدينة المقدسة وحين انتهت المفاوضات في ليلة (22) أغسطس أراد (أحمد عبد العزيز) أن يحمل نتائجها إلى القيادة المصرية العامة في (المجدل)، وأصر على أن يذهب في ليلته وكانت المعارك في ذلك الحين تدور بشدة على الطريق المؤدى للمجدل مما جعل ضباطه يلحون عليه في التريث وعدم الذهاب ولكنه قطع هذه المحاولات حين قفز إلى سيارته (الجيب) وهو يردد: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]. وانطلقت السيارة في طريق المجدل ولم يكن معه إلا اليوزباشي (الورداني)، واليوزباشي (صلاح سالم ) من ضباط رئاسة المواوي وسائق سيارته.
وكانت (عراق المنشية) في ذلك الحين تستهدف لهجمات متواصلة مما دعا القيادة العامة إلى منع السير على هذا الطريق بالليل
وما أن وصلت السيارة إلى مواقع عراق المنشية حتى صاح الحارس يأمر السيارة القادمة بالوقوف ولكن سوء الحظ تدخل هذه المرة إذ ضاع صوت الحارس في ضجيج السيارة فأطلقت نقطة المراقبة النار وتدخل سوء الحظ مرة أخرى حين أصابت أول رصاصة البكباشي (أحمد عبد العزيز) في جنبه، وحمله مرافقوه إلى عيادة طبيب بمدينة (الفالوجا)، ولكن قضاء الله سبقهم إليه فصعدت روحه إلى بارئها.
ولم يكد الخبر يذاع على الناس حتى عم الوجوم الجميع وبكاه كل فرد في الجيش وكان أكثر الناس حزنا عليه وألما لفراقه أولئك الجنود الذين زاملوه في الميدان، وقاسموه مرارة الهزيمة ونشوة النصر، ونعته وكالات الأنباء ومحطات الإذاعة العالمية، وأسف لفقده الحلفاء والأعداء ونعوه للناس بمزيد من الإعجاب والإكبار، وبموت أحمد عبد العزيز طويت صفحة من أمجد صفحاتنا العسكرية وأفل نجم لامع كان ملء سمع الناس وبصرهم، وخلا بذلك مكانه في الميدان وصعدت روحه الطاهرة لتحتل مكانًا مرموقًا في ملكوت الله وجنته ورفع اسمه من كشوف الجيش المصري ليحفظ في سجل التاريخ كأبرز شخصية عسكرية أنجبتها حرب فلسطين.
ويقول عبد الله التل في مذكراته: "بوفاته خسر الجيش المصري, لا بل الجيوش العربية قائدًا من خيرة قوادها". ويورد التل نص برقية أرسلت إليه من اليوزباشي كمال الدين حسين، باسم الجنود والضباط المصريين، يشكره فيها على مواساتهم باستشهاد قائدهم، ويوعده بالسير على درب البطل الشهيد, ويعلق التل على ذلك: "وقد برَّ الضباط المصريون بوعدهم وساروا في الطريق الذي رسمه أحمد عبد العزيز، وإذا كانت مؤامرات السياسة في قضية فلسطين قد حالت دون تحقيق أهداف الضباط والجنود الأبرياء فليس الذنب ذنبهم

المصدر

غسان كنفاني : المناضل بالريشة وبالحروف

بعد ما يقارب41عاما على رحيله يبدو حضور غسان كنفاني (1936- 1972) الإبداعي أكثر وضوحا وشموخا، وتشع الأسئلة التي سألها عن فلسطين والوجود والإرادة والمصير في رواياته وقصصه ومسرحياته وحتى دراساته السياسية والأدبية
وقد قلّب كنفاني، رغم أن رحلته على الأرض كانت شديدة القصر (36 عاما) أسئلته الملتاعة حول مصير الفلسطينين، الذين بدوا في عمله نماذج لتعليق المصير البشري وتأجيله إلى إشعار آخر، على لهب الكتابة الروائية والقصصية والمسرحية؛ واستطاع في عدد من أعماله المركزية أن يرى في الفلسطيني نموذجا لعذاب الإنسان (مطلق إنسان) وصراعه الدائم، الذي لا يهدأ، لكي يفهم الأسباب التي تجعله مشدودا إلى مصيره المعلق في التاريخ.
ويمكن لقارئ أعمال غسان كنفاني أن يستبدل الشخصيات الفلسطينية في هذه الأعمال بشخصيات من جنسيات وأزمنة أخرى ليكتشف أن غسان حوّل فلسطين إلى تعبير رمزي معقد عن تراجيديا العيش الإنساني على الأرض.
على أرضية هذا الفهم تلتقي روايته "رجال في الشمس" مع مسرحياته "الباب، القبعة والنبي، جسر إلى الأبد" حيث يسفر الفلسطيني عن وجهه الإنساني ويعيد طرح الأسئلة الوجودية الأساسية على نفسه: أسئلة الولادة والموت، والرحلة والمصير المعلق على جسر الأبد.
وإذا كانت روايات غسان قد اهتمت بتقديم إجابة سردية على الخروج الفلسطيني ومواجهة تهديد الموت، كما في "رجال في الشمس، ما تبقى لكم" على اختلاف ما في هاتين الروايتين من تجلية لوضع الفلسطيني وشروط استجابته لتهديد الموت، فإن قصصه (التي لم تحظ حتى هذه اللحظة بدراسة تفصيلية تكشف عن فرادتها وتميزها وأفقها الإنساني الرحيب) تقرأ تراجيديا العيش الفلسطيني في حياة شخصيات مغفلة الهوية تعيش ضمن الحدود الدنيا لشروط الهوية.
(عائد إلى حيفا) هي بحث عميق في معنى الهوية والمصير والانتماء. وتقول إن الدم ليس هو الرابط المصيري بين الفلسطينيين بل الفعل والانتماء إلى الأسئلة المصيرية نفسها
مغامرة وجودية
إنها تعيش على حواف التاريخ وفي قلب المغامرة الوجودية المعقدة، وتمثل في الوقت نفسه كينونة رمزية، مثقلة بالمعنى، لانسحاق الإنسان بشرط التاريخ. ولا شك أن غسان كنفاني كان يكتب قصصه، بدءاً من "كعك على الرصيف" وصولا إلى آخر قصة لم يتح له أن يكملها، وفي ذهنه تجربته الفلسطينية المريرة اللاهبة. ولم يكن راغبا في كتابة قصص تغيب عنها فلسطين لتحضر في صورها المطلقة المجردة.
كان غسان يكنّي عن فلسطين في قصصه، ويشير إليها مداورة وهو يكتب "عالم ليس لنا" أو "أرض البرتقال الحزين" واضعا فلسطينه في قلب الممارسة البشرية للعيش، ناظرا إليها في حضورها الأقوى وتمثيلها المعقد للإنسان المعذب المرتحل الباحث عن تحقيق مصيره والذاهب ليجابه حياته أو موته.
أدرك غسان كنفاني، مثله مثل محمود درويش، أن الحكاية الفلسطينية هي من بين الحكايات الكبرى في التاريخ والتراجيديات المعقدة التي تصلح أن نفسر على خلفيتها معنى صراع البشر على الأرض والتاريخ، فكتب هذه الحكاية بصورة تضعها في سدة هذه الحكايات الكبرى.
ومن هنا تبدو روايته التي تهز قارئها من الداخل "رجال في الشمس" بمثابة جدْل مركب للأسئلة الفلسطينية والأسئلة الوجودية التراجيدية، ذات الأعماق الإغريقية، التي تتعلق بعطالة الفعل البشري وسخرية القدر في اللحظات المصيرية المعقدة.
إن غسان يكتب واحدا من أعماله الرئيسية الأساسية وهو يرى حركة التحرر الوطني الفلسطينية وقد بدأت تتراءى في الأفق، ولذلك يسأل أبو الخيزران: "لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟" لكن غسان يبني عمله الروائي بطريقة تضع هذا السؤال المدوي، الذي يحمل نبرة اتهام قصوى للذات والآخرين، في تقاطع مع ثقل المصير وضغط المأساة وحضورها القوي الذي يلغي مفاعيل السؤال الذي سأله أبو الخيزران.
ما تبقى لكم
يحول غسان كنفاني رواياته وقصصه ومسرحياته إلى حكايات رمزية قادرة على إضاءة نفسها فيما هي قادرة على إضاءة حكايات الآخرين. وبهذا المعنى فإن "ما تبقى لكم" ليست رواية عن مصير الفلسطيني، ورحلته التي قرر فيها أن يأخذ مصيره بيده ويجابه عدوه، بل هي رواية تحدي الإنسان للشروط المذلة المفروضة عليه.
ويوضح كنفاني من خلال الشخصيات التي يرسمها والشروط التي يغمس فيها هذه الشخصيات، أن خلاص الإنسان ينبع من داخله، من قدرته على المواجهة واتخاذ قراره بنفسه. وهو لكي يضع قارئه في مواجهة هذه المحصلة الفلسفية الوجودية لبحثه الإبداعي، يقيم بناء سرديا مركبا يوحي بأن القدر يلغي مشيئة الإنسان.
تقول أعمال غسان، في الظاهر لا على الحقيقة: لا مهرب من القدر. لكنها، وهي تكثف التعبير عن المصير الذي تلوح كارثيته في الأفق، تشدد على ضرورة أن يأخذ الإنسان مصيره بيديه.
وهذا هو معنى سؤال أبي الخيزران الشهير الذي وجد جوابه في الصفحات الأخيرة من رواية غسان التالية "ما تبقى لكم" التي يدل تركيبها السردي المعقد، برمز الساعة وجعل الأرض من بين الشخصيات الفعلية في الرواية، على رغبة غسان في كتابة أعمال روائية يطلع بعضها من قلب بعض، كما يدل على مواصلته وضع التجربة الفلسطينية في أفقها الإنساني الواسع.
إذا نظرنا إلى أعمال غسان كنفاني الروائية الأخرى "أم سعد، عائد إلى حيفا" والروايات غير المكتملة مثل "الأعمى والأطرش، برقوق نيسان" فسوف نجد أن الروائي الفلسطيني الكبير الراحل يواصل تحت ضغط الشرط التاريخي بحث سؤال الوجود الفلسطيني في ضوء الشروط الإبداعية نفسها: وضع فلسطين تحت مجهر الوجود الإنساني المعقد، وعدم الانزلاق إلى التعبير المبسط الشعاري عن قضيتها الكبرى التي تلامس وجدان البشر جميعا.
"
رغم أن البعض قد يقول إن (أم سعد) اقتربت من لغة الشعار والمباشرة، إلا أن قراءة معمقة لهذا العمل الروائي تجعلنا نرى العمق الإنساني لهذه الحكاية الفلسطينية
"
أم سعد
وعلى الرغم من أن البعض قد يقول إن "أم سعد" من بين أعمال غسان الروائية، قد اضطرت إلى تبسيط قولها والاقتراب من لغة الشعار والبطولة، إلا أن قراءة معمقة لهذا العمل الروائي غير المركب تجعلنا نرى العمق الإنساني لهذه الحكاية الفلسطينية
إن أم سعد، الرواية والشخصية، ذات سطوح رمزية في وجه من وجوهها؛ وهذا ما ينقذها من الوقوع في وهدة الشعار والانسياق وراء نبرة البطولة الجوفاء التي أوقعت كثيرا مما كتب من أدب فلسطيني في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته في الضحالة والضعف الأسلوبي.
وإذا كانت "أم سعد" تبدو في الظاهر عملا روائيا بسيطا غير معقد فإن "عائد إلى حيفا" هي بحث عميق في معنى الهوية والمصير والانتماء، وأثر شروط العيش اليومي في تشكيل القناعات وقرارات البشر في أن يكونوا أو لا يكونوا. تقول "عائد إلى حيفا": ليس الدم هو الرابط المصيري بين الفلسطينيين بل الفعل والانتماء إلى الأسئلة المصيرية نفسها.
التحرر الفلسطيني
إن هذه الرواية الساحرة تستشرف أسئلة التحرر الوطني الفلسطيني وتعيد تركيب الهوية الفلسطينية من خلال المواجهة التي تقوم بين الأب الفلسطيني والابن الذي أصبح يهوديا بالتربية والتبني. هكذا يواجه الفلسطيني صورته المنقسمة، بل المشروخة، في مرآة الصراع المعقدة، ويقرر في النهاية أن يقاوم دون المضي في مفاوضة عقيمة مع الآخر الذي هو امتداد له، عبر رابطة الدم، وانفصال عنه في قراره المصيري بالاصطفاف مع العدو الذي رباه.
لا أظن، في سياق مراجعة ما أنجزه غسان كنفاني على الصعيد الإبداعي، أن هناك روائيا فلسطينيا آخر استطاع أن يغوص في أعماق التجربة الفلسطينية ويكتب جوهر هذه التجربة، جاعلا مغامرة الفلسطينيين تتقاطع مع مصائر البشر جميعا، معطيا الحكاية الفلسطينية ملامح تاريخية مركبة وامتدادات فلسفية تدور حول أسئلة المصير والإرادة وقدرة الإنسان على التدخل في اللحظة الحاسمة لتقرير مصيره الفردي والعام.
ومن هنا أهمية غسان المزدوجة: على الصعيد الإبداعي إذ استطاع أن يضع الرواية والقصة الفلسطينيتين في أفق الكتابة السردية العربية المبدعة، وعلى صعيد التعبير عن الحكاية الفلسطينية التي أصبحت في كتابته حكاية البشر لا حكاية الفلسطينيين وحدهم عندما بادل الشخصيات الفلسطينية بشخصيات غير فلسطينية في قصصه ومسرحياته، وفعل العكس في رواياته، لتلتحم مصائر الفلسطينيين بمصائر غيرهم من البشر.

المصدر


النشاشيبي : أخر الزملاء المحترمين

Written By Unknown on السبت | 18.5.13

لم تكن الدنيا كلها بالنسبة للكاتب والصحفي ناصر الدين
ولد النشاشيبي في مدينة القدس عام 1920 وتخرج من مدرسة الرشيدية المعروفة، ودرس في الجامعة الأميركية وتخرج منها حاملا لشهادة البكالوريوس في العلوم السياسية. عمل بعد تخرجه في الصحافة، ثم معلقا أدبيا في الإذاعة الفلسطينية في القدس، ونشرت مقالاته في صحف العراق ولبنان وفلسطين، ومنها جريدتا "الدفاع" و"فلسطين".
لم يركن الراحل لرغد العيش في ظل عائلته المقدسية العريقة والثرية، واختار أن يخط لنفسه طريقا مختلفا ليأخذه عالم الصحافة ويصبح أحد أبرز الصحفيين العرب، وأضحت الكتابة هي ثروته الوحيدة وهي عطاؤه وبسمته وشقاؤه أيضا، كما قال في أحد حواراته.
وفي رحلته التي جاوزت الستين عاما في مجال الكتابة، أعطى النشاشيبي المكتبة العربية أكثر من 50 كتابا في السياسة والأدب والتراجم والرحلات من القدس إلى الصين إلى اليابان والهند وباكستان وغيرها من بلدان العالم.
من أهم مؤلفاته "شباب محموم" (1949)، و"عندما دخلوا التاريخ" (1956)، و"فلسطين والوحدة" (1959)، و"ماذا جرى في الشرق الأوسط؟" (1960)، و"عربي في الصين" ( 1965)، و"الحبر الأسود.. أسود" (1977)، و"صلاة بلا مؤذن" (1980)، و"قصتي مع الصحافة" (1973)، و"حضرات الزملاء المحترمين" (1995)، ومن آخر مؤلفانه "كلام يجر كلاما" عام 2007.
عمل الراحل سكرتيرا للوفد الفلسطيني في مجلس جامعة الدول العربية عام 1945 بالقاهرة. ثم أصبح مديرا عاما للإذاعة الأردنية ثم استقال وصار مندوبا متجولا لدار "أخبار اليوم" المصرية حتى 1960، وانتقل إلى جريدة "الجمهورية" ليعمل فيها حتى عام 1966، ثم انتدبته الجامعة العربية بعد ذلك ليكون سفيرا متجولا لها.
كما عمل الراحل في عدد من الصحف العربية ونشرت له المقالات الافتتاحية في صحف لبنان والعراق وفلسطين، وشارك في الكثير من المعارك الصحفية التي عرف بها المشهد الإعلامي العربي في ستينيات القرن الماضي.
ارتبط النشاشيبي بعلاقات قوية مع عدد من الزعماء العرب ومشاهير السياسة بحكم عمله في عدد من الصحف المصرية والعربية، كما كان صديقا مقربا من نجوم الفن ورجالات الفكر والثقافة، ويعتبر النشاشيبي أن علاقته بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لا مثيل لها.

النشاشيبي تساوي ذرة من تراب القدس، التي ولد فيها وكتب لها وعنها وسرت في عروقه -كما يقول- وفارق الدنيا على ترابها اليوم في منزله بحي الشيخ جراح عن عمر يناهز 93 عاما ليدفن في المدينة المقدسة بعد قصة طويلة مع الصحافة والحياة والسياسة.

«عبدالرحمن البر».. مفتى «قتل المتظاهرين»

Written By Unknown on الخميس | 25.4.13

«مفتى الإخوان» هكذا يطلق عليه داخل أروقة تنظيم الإخوان، فهو عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وعضو مكتب إرشاد الإخوان، إنه عبدالرحمن البر أحد القيادات البارزة داخل «الإخوان» المتحكمة فى قرارات التنظيم.
«البر» من مواليد محافظة الدقهلية عام 1963، متزوج ولديه 5 أبناء، تم اعتقاله عام 2008 بتهمة الانتماء إلى جماعة محظورة والدعاية لها، ورشحه مجلس شورى الجماعة مبدئياً لتولى منصب المرشد خلفاً لمحمد مهدى عاكف، المرشد السابق للإخوان، وحصل وقتها على أعلى الأصوات، إلا أن التنظيم فضل أن يختار الدكتور محمد بديع، خاصة أن البعض رأى أن «البر» ما زال صغيراً على تولى مثل هذا المنصب.
اختاره حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، لتمثيله فى الجمعية التأسيسية التى وضعت الدستور الحالى، فى إطار تنفيذ رؤية الإخوان المتعلقة بالبنود المرتبطة بالشريعة الإسلامية، كما أنه كان أحد القيادات الإخوانية المكلفة من جانب «الجماعة» للتفاوض مع المنسحبين من «التأسيسية» للعودة.
ومن أبرز فتاوى «البر» مؤخراً هى حكم مواجهة البلطجية، والتى اعتمد عليها الإخوان فى الاعتداء على المتظاهرين والصحفيين أمام مكتب إرشاد الإخوان بالمقطم، واعتبرهم «بلطجية»، حيث قال
«إنه يجب دفع الاعتداء بالقوة اللازمة لدفعه دون زيادة، فإذا أمكن دفع الصائل أو البلطجى مثلاً بالصياح والاستغاثة لم يكن له أن يدفعه باليد، وإن كان فى موضع لا يلحقه الغوث دفعه باليد، فإن لم يندفع باليد دفعه بالعصا، فإن لم يندفع بالعصا دفعه بالسلاح، فإن لم يندفع إلا بإتلاف عضو دفعه بإتلاف عضو، فإن لم يندفع إلا بالقتل دفعه بالقتل، ويكون دم المعتدى فى هذه الحالة هدراً».
ويعتبر «البر» أحد اللاعبين المهمين داخل تنظيم الإخوان كونه حلقة وصل مهمة بين «الجماعة» والتيار السلفى لخلفيته الدينية بالأزهر الشريف وقربه من الفكر السلفى على وجه الخصوص، بشكل جعله «كارت أساسى» لسيطرة «الإخوان» على التيار السلفى وتوجيه قراراته لخدمة أيديولوجية «الجماعة»، وهو ما ظهر بوضوح أثناء حضوره جلسات خيرت الشاطر، نائب المرشد، مع القيادات السلفية لإقناعهم بدعم الدكتور محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية قبل فوزه بـ«كرسى الرئاسة».
وعلى الرغم من العلاقة القوية بين التيار السلفى و«البر» فإن الأخير تعرض لهجوم عنيف من جانب عدد من الرموز السلفية بسبب مشاركة «مفتى الإخوان» فى مراسم تنصيب البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، باعتبار ذلك فى نظر بعض «السلفيين» مخالفاً للشريعة الإسلامية، إلا أن «البر» رد على تلك الانتقادات بقوله «إن حضور حفل تنصيب البابا أو تهنئة الأقباط بأعيادهم ومناسباتهم ليس حَراماً»، علاوة على أنه نوع من البر الذى لم ينه الله عنه، طالما لم تكن هذه التهنئة على حساب الدين، وأضاف «خصوصاً أننى رفضت الوقوف أثناء تلاوة بعض الترانيم».
تم تداول اسم «البر» إعلامياً فى الأسابيع الماضية كأحد الأسماء المرشحة بقوة لتولى منصب مفتى الجمهورية خلفاً لفضيلة الدكتور على جمعة، المفتى السابق للجمهورية، وسط اتهامات من «المعارضة» بسعى «الجماعة» لـ«أخوانة الدولة» الأمر الذى رد عليه البر قائلاً: «إن من حقه تولى منصب مفتى الديار المصرية مثل أى مرشح آخر»، مشيراً إلى أن الحديث عن «أخونة الدولة» يعد ابتزازاً لإقصاء الإخوان لعدم توليهم أى مناصب» إلا أن الأمر تم حسمه فى النهاية باختيار الدكتور شوقى علام، مفتياً للجمهورية.

 

نقلا عن الوطن

اضف الى اضافتى Top Social Bookmarking Websites

كلوديا نزلت الاتحادية هيدي كلوم عارية بكاميرا والدتها صديق جيا شجعها علي الانتحار ! ميس حمدان في انتظار ابن الحلال سلمي تتعامل مع الشيخوخة بهدوء

الأكثر قراءة

للاشتراك في خدمة RSS Feed لمتابعة جديدنا اضغط هنا,او للاشتراك في خدمتنا البريدية
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2013. التيار - All Rights Reserved
Template Created by IBaseSolutions Published by Ibasethemes
Proudly powered by Ibasethemes