من المفارقات اللافتة ان الدول الغربية في تبريرها لمسار الثورات العربية لدى انطلاقها توقعت ان تعبر هذه الثورات مخاضا طويلا وسنوات طويلة قبل ان تستقر على نتائج نهائية تلبي طموحات الشعوب تماما. اذ ان التجربة والتاريخ يثبتان ان الثورة لا تحصل وتفرز نتائج وتهدأ الامور وتنتهي بانتخابات نيابية او رئاسية خصوصا في حال لم تلبِّ هذه الانتخابات تطلعات الشعوب.
لكن ديبلوماسيين كثرا يقرون بأن ما حصل في مصر كان مفاجئا جدا بالنسبة اليهم لجهة نزول ملايين المصريين الى الشارع مطالبين برحيل الرئيس محمد مرسي اعتراضا على حكم الاخوان، تماما كما فاجأتهم مصر في ثورتها الاولى ضد الرئيس حسني مبارك على رغم المواكبة الدولية للمشكلات المصرية الاقتصادية والمالية المتعاظمة وتصاعد الاعتراضات ضد الرئيس المصري وقراراته. بذلك تفرض الثورة المصرية الثانية على الدول الغربية وكل الباحثين اعادة نظر جذرية في نظرياتهم حول اتجاه المنطقة الى الاسلام السياسي المتشدد على وقع حكم الاخوان في مصر وسريان عدواه في اتجاه تونس وسوريا وكل الدول المرشحة على خارطة الربيع العربي. فالليبراليون لا يزالون اقوى في مصر المتديّنة والمسلمة، علما ان مشكلة مصر متعددة الوجوه ومن بينها اساسا وجوهريا مشكلة اقتصادية وادارية لم يعرف حكم الاخوان التعاطي معها وتلهى بانتصارات وهمية في وضع يده على مفاصل الحكم. سيصعب على الدول الغربية واكثر على روسيا التذرع بعد الآن بالمخاوف من حكم اسلامي متشدد او اصولي من اتباع تنظيم القاعدة وانصاره يمكن ان يحل مكان النظام السوري حين يتفق على رحيله خصوصا ان سوريا متعددة الطوائف والاثنيات اكثر مما هي الحال في مصر.
ويقول هؤلاء ان الثورة المصرية الثانية لم تكن في وجه الاخوان وحدهم مقدار ما كانت ايضا في وجه الولايات المتحدة التي دعمت وصولهم وساهمت في تغطيته حرصا على مصالحها في المنطقة الى جانب مصلحة اسرائيل وموقع مصر في المعادلة المتصلة بالموضوع الفلسطيني. وتاليا سيكون من الصعب على الولايات المتحدة ان تنأى بنفسها كما تفعل في الموضوع السوري، علما ان الوضع مختلف بين مصر وسوريا او ان تتدخل ايضا من اجل الا تكرر خطأ دفع الاخوان وتغطية دعم وصولهم الى الحكم في الوقت الذي لا يمكن ان تسمح للامور بأن تتدهور امنيا في شكل خاص وسياسيا ايضا.
المقــال الاصلي
إرسال تعليق