لا حديث للناس فى مصر على مختلف فئاتهم وشرائحهم إلا عن ٣٠ يونيو الجارى.. أى حديث عن أى موضوع آخر لا يلقى أى اهتمام حتى لو كان مهما.. الكل مشدود إلى ٣٠ يونيو وما بعده.. وأعتقد أن العالم من حولنا ينظر إلى مصر، يرقب، ويرصد ما يجرى، ويحاول أن يستقرئ ما يمكن أن تؤول إليه الحال.. وقد التقيت خلال الأيام القليلة الفائتة عددا من الصحفيين والكتاب والمحللين الأجانب، من أمريكا وأوروبا، جاءوا لتغطية الحدث.. تساؤلات تجرى على ألسنة الجميع.. هل سيخرج الناس استجابة لحملة «تمرد» إلى قصر الاتحادية فى ذلك اليوم بالملايين، أم بالآلاف؟ وهل سيخرج المؤيدون للدكتور مرسى بالملايين، أم بالآلاف؟ وهل ستحدث احتكاكات بين الطرفين، أم لا؟ وإذا حدثت احتكاكات، فلأى مدى؟ وهل ستستخدم أسلحة؟ وما طبيعتها؟ وهل نتوقع أن يقع قتلى، أم لا؟ وإذا وقع قتلى، فهل هم آحاد، أم عشرات، أم مئات؟ وما موقف الشرطة، والدور الذى ستقوم به؟ وهل أعدت من التدابير والإجراءات ما يحفظ للشعب أمنه وسلامته خلال تلك الأيام؟ وما موقف القوات المسلحة إذا فشلت الشرطة فى القيام بدورها؟.
من الصعب علينا أن نتنبأ بما سيحدث خلال الأيام القليلة القادمة، سواء قبل أو أثناء أو ما بعد ٣٠ يونيو.. لكن مظاهر الاشتباكات التى وقعت خلال الأيام الفائتة، من إصابات وحرائق، لا تبشر بخير.. نحن لا نستطيع أن نغفل حالة الاحتقان الموجودة، ولا ما يحدثه التراشق والتصعيد والتهديد والوعيد من اشتعال بين الجانبين.. ما قاله الداعية السلفى فى مؤتمر نصرة سوريا الذى حضره الدكتور مرسى من إطلاق الكفر والنفاق على المشاركين فى حشد يوم ٣٠ يونيو- يحتاج إلى مراجعة شديدة، فقد خالف فيه ما اتفق عليه العلماء من أهل السنة والجماعة.. وقول أحدهم: من «يرش» الدكتور مرسى بالماء، «سنرشه» بالدم (!)- يفتقر إلى الحكمة والرشادة. وأين هو من قوله تعالى: «ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن»؟ والآخر الذى قال: قتلانا فى الجنة، وكأنها معركة بين الكفر والإيمان (!!) على الجانب الآخر، لا نستطيع إغفال تلك الشتائم والسباب والتخوين والاتهام بالعمالة التى تطال كل شىء.. من رئيس الدولة حتى آخر فرد فى الإخوان.. وإن كان شباب الإخوان يفعلون ذلك.
كما قلنا سابقا، من حق المؤيدين للدكتور مرسى أن يخرجوا فى تظاهرات كما حدث يوم الجمعة الماضى، ويعلنوا عن تأييدهم له، فى مواجهة من أرادوا سحب الثقة منه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إذا ما تم ذلك فى الإطار السلمى.. غير أن ذلك بلا شك لا يوجد حلا، بل يعزز من حالة الاستقطاب التى أدت إلى تشرذم المجتمع.. كنت أتوقع من الإخوان أن يتقدموا برؤية أو خطوة استباقية لاستيعاب الأزمة، بدلا من تفاقمها وازدياد حدتها.. كنت أرجو أن يسألوا أنفسهم عن الأسباب الحقيقية التى أدت إلى انتشار حملة «تمرد» بين المواطنين بهذه السرعة المذهلة وهذا الكم الهائل، وأن يسألوا أنفسهم لِمَ فشلوا فى تحقيق الاستقرار السياسى، بدلا من تعليق الأمر على شماعة المؤامرة.. ولماذا لم يتم حتى الآن اتخاذ أى خطوة نحو هيكلة وزارة الداخلية؟ ولماذا ظلت قضية العدالة الانتقالية وحق الشهداء فى القصاص من قتلتهم لم تبارح مكانها؟ ومن الذى يدفع فاتورة دماء الشهداء الذين فاضت أرواحهم فى عهد كل من المجلس العسكرى والدكتور مرسى؟ ولماذا لم تر العدالة الاجتماعية النور حتى الآن؟ ولماذا لم يتم كشف النقاب عن قتلة شهداء رفح حتى الآن؟ وأين الضباط الثلاثة وأمين الشرطة الذين اختطفوا منذ عامين ونصف على الحدود؟ وهل مازالوا أحياء، أم استشهدوا؟ وأين الإرهابيون الذين اختطفوا الجنود السبعة؟.
أيًّا ما كانت النتائج التى سيتمخض عنها يوم٣٠ يونيو، فإن الوضع سوف يكون سيئا وضعيفا وهشا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، الأمر الذى سينعكس سلبا على كفاءة وقدرة مصر على التعامل مع كل الملفات الداخلية والخارجية.. ولا يخفى على كل ذى عقل أنه بقدر ما تكون مصر عفية، وقوية، ومتماسكة، بقدر ما تستطيع أن تنهض بحملها، داخليا وخارجيا.. والسؤال هو: هل هذه هى مصر التى كنا نتمنى؟ وهل يمكن لها أن تتبوأ مكانتها ومنزلتها على المستويين الإقليمى والدولى؟ وهل من المتوقع أن يتم حل مشكلة سد النهضة الإثيوبى، أو أن نشهد خروجا من الأزمة الاقتصادية ومصر على هذا الحال؟!
المقــال الاصــلي
إرسال تعليق