قبل بضعة أيام من اكتمال 61 عاما على 23 يوليو (تموز) 1952، نزل الجيش إلى الشارع ليعيد السلطة إلى شعب مصر، وفي تواضع وكبرياء قال الفريق أول عبد الفتاح السيسي إن هدف القوات المسلحة هو «استعادة الحق إلى صاحبه الأصيل». ولما كان الضباط الأحرار قد استبعدوا جماعة الإخوان المسلمين التي شاركتهم في انقلاب يوليو، اعتبر الإخوان وصولهم إلى الحكم عن طريق الرئيس المعزول محمد مرسي بمثابة نصر إلهي أعاد لهم الحق في السلطة.
فعندما استيقظ المصريون في صبيحة يوم الأربعاء 23 يوليو سنة 1952، فوجئوا بأن قوات الجيش تحتل بعض مرافق القاهرة وشوارعها، واستمعوا إلى بيان اللواء محمد نجيب الذي قال: «اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم... وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين... وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم».
وبينما كانت مصر قبل يوليو دولة ملكية برلمانية تتطلع إلى الاستقلال والحرية وتعمل على بناء مجتمع الكفاية والرفاهية، لم يتحدث البيان عن أي من مطالب الشعب المصري. ومع أن موضوع الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين سنة 1948 كانت على رأس الأسباب التي برر بها الضباط الأحرار قلب نظام الحكم، فقد تبين بعد ذلك أن هذا الاتهام كان مجرد وسيلة استخدموها لتبرير تصرفاتهم، وليس له أصل من الحقيقة.
وكان أول عمل قام به هؤلاء هو التخلص من الملك فاروق، واستبعاد قادة الجيش من ذوي الرتب الكبيرة إلى وظائف مدنية. ثم شكل الضباط الأحرار من أنفسهم هيئة باسم «مجلس قيادة الثورة» لحكم البلاد، اختاروا جمال عبد الناصر رئيسا لها. وقال اللواء محمد نجيب الذي اختاره الضباط رئيسا لهم: «إن تحركنا ليلة 23 يوليو 1952 والاستيلاء على مبنى القيادة كان في عرفنا جميعا انقلابا... وكان لفظ (انقلاب) هو اللفظ المستخدم في ما بيننا... ثم عندما أردنا أن نخاطب الشعب وأن نكسبه لصفوفنا... استخدمنا لفظ (الحركة)... وعندما أحسسنا أن الجماهير تؤيدنا وتشجعنا وتهتف بحياتنا، أضفنا لكلمة الحركة صفة (المباركة)... وبدأت الجماهير تخرج إلى الشوارع لتعبر عن فرحتها بالحركة وبدأت برقيات التهنئة تصل إلينا وإلى الصحف والإذاعة... فبدأنا أحيانا في استخدام تعبير (الثورة) إلى جانب تعبيري (الانقلاب) و(الحركة)». (محمد نجيب، كنت رئيسا لمصر، ص 145 - 146)
شارك الإخوان المسلمون في انقلاب يوليو منذ البداية، وكانت هناك علاقة قوية بين عدد من الضباط الأحرار والجماعة قبل الانقلاب، كما ساندتهم بعد نجاحه. لهذا فعندما أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بحل جميع الأحزاب السياسية، تم استثناء الجماعة من هذا القرار. إلا أن الخلاف بين الإخوان والضباط الأحرار بدأ عندما أصرت الجماعة على المشاركة في السلطة، بل وعلى إخضاع قرارات مجلس الثورة لمراجعة المرشد العام، ورفض جمال عبد الناصر هذا الطلب، فبينما كان الإخوان يريدون إقامة دولة دينية أصر عبد الناصر على مدنية الدولة. عندئذ حاول الإخوان التخلص من عبد الناصر، وحاولوا اغتياله وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1954. وبعد أن فشلت الخطة حظر عبد الناصر نشاط الجماعة، لكنهم عادوا للقيام بمحاولة ثانية لقتله في 1965، مما أدى إلى إعدام عدد من القيادات ومطاردة عدد كبير منهم.
ورغم أن المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الذي أشرف على المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير قد استجاب لتهديدات الإخوان وسمح لهم بالسيطرة على حكم البلاد، فإن القادة العسكريين رفضوا محاولة الرئيس مرسي فرض سيطرة الجماعة على الدولة والتحكم في قرارات الجيش نفسه. ورغم أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي ظل ملتزما بقواعد العسكرية مطيعا لأوامر الرئيس، فإنه لم يقبل التهديد الذي وجهه الإخوان إلى الشعب المصري، خصوصا بعد خروج أكثر من 30 مليون مواطن في 30 يونيو (حزيران) مطالبين بإسقاط الرئيس.
لم يقُم السيسي بتشكيل مجلس رئاسي عسكري أو إلغاء الأحزاب كما فعل الضباط الأحرار من قبل، بل إنه أعاد السلطة إلى شعب مصر ليكتب دستورا يعبر عن طموحاته وينتخب برلمانا ورئيسا جديدا للبلاد بحرية تامة، بعيدا عن سلطة الجيش وجماعة الإخوان. الآن فقط يمكن القول إن الثورة المصرية قد نجحت، وإن السلطة عادت للشعب.
المقال الاصلي
فعندما استيقظ المصريون في صبيحة يوم الأربعاء 23 يوليو سنة 1952، فوجئوا بأن قوات الجيش تحتل بعض مرافق القاهرة وشوارعها، واستمعوا إلى بيان اللواء محمد نجيب الذي قال: «اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم... وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين... وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم».
وبينما كانت مصر قبل يوليو دولة ملكية برلمانية تتطلع إلى الاستقلال والحرية وتعمل على بناء مجتمع الكفاية والرفاهية، لم يتحدث البيان عن أي من مطالب الشعب المصري. ومع أن موضوع الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين سنة 1948 كانت على رأس الأسباب التي برر بها الضباط الأحرار قلب نظام الحكم، فقد تبين بعد ذلك أن هذا الاتهام كان مجرد وسيلة استخدموها لتبرير تصرفاتهم، وليس له أصل من الحقيقة.
وكان أول عمل قام به هؤلاء هو التخلص من الملك فاروق، واستبعاد قادة الجيش من ذوي الرتب الكبيرة إلى وظائف مدنية. ثم شكل الضباط الأحرار من أنفسهم هيئة باسم «مجلس قيادة الثورة» لحكم البلاد، اختاروا جمال عبد الناصر رئيسا لها. وقال اللواء محمد نجيب الذي اختاره الضباط رئيسا لهم: «إن تحركنا ليلة 23 يوليو 1952 والاستيلاء على مبنى القيادة كان في عرفنا جميعا انقلابا... وكان لفظ (انقلاب) هو اللفظ المستخدم في ما بيننا... ثم عندما أردنا أن نخاطب الشعب وأن نكسبه لصفوفنا... استخدمنا لفظ (الحركة)... وعندما أحسسنا أن الجماهير تؤيدنا وتشجعنا وتهتف بحياتنا، أضفنا لكلمة الحركة صفة (المباركة)... وبدأت الجماهير تخرج إلى الشوارع لتعبر عن فرحتها بالحركة وبدأت برقيات التهنئة تصل إلينا وإلى الصحف والإذاعة... فبدأنا أحيانا في استخدام تعبير (الثورة) إلى جانب تعبيري (الانقلاب) و(الحركة)». (محمد نجيب، كنت رئيسا لمصر، ص 145 - 146)
شارك الإخوان المسلمون في انقلاب يوليو منذ البداية، وكانت هناك علاقة قوية بين عدد من الضباط الأحرار والجماعة قبل الانقلاب، كما ساندتهم بعد نجاحه. لهذا فعندما أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بحل جميع الأحزاب السياسية، تم استثناء الجماعة من هذا القرار. إلا أن الخلاف بين الإخوان والضباط الأحرار بدأ عندما أصرت الجماعة على المشاركة في السلطة، بل وعلى إخضاع قرارات مجلس الثورة لمراجعة المرشد العام، ورفض جمال عبد الناصر هذا الطلب، فبينما كان الإخوان يريدون إقامة دولة دينية أصر عبد الناصر على مدنية الدولة. عندئذ حاول الإخوان التخلص من عبد الناصر، وحاولوا اغتياله وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1954. وبعد أن فشلت الخطة حظر عبد الناصر نشاط الجماعة، لكنهم عادوا للقيام بمحاولة ثانية لقتله في 1965، مما أدى إلى إعدام عدد من القيادات ومطاردة عدد كبير منهم.
ورغم أن المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الذي أشرف على المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير قد استجاب لتهديدات الإخوان وسمح لهم بالسيطرة على حكم البلاد، فإن القادة العسكريين رفضوا محاولة الرئيس مرسي فرض سيطرة الجماعة على الدولة والتحكم في قرارات الجيش نفسه. ورغم أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي ظل ملتزما بقواعد العسكرية مطيعا لأوامر الرئيس، فإنه لم يقبل التهديد الذي وجهه الإخوان إلى الشعب المصري، خصوصا بعد خروج أكثر من 30 مليون مواطن في 30 يونيو (حزيران) مطالبين بإسقاط الرئيس.
لم يقُم السيسي بتشكيل مجلس رئاسي عسكري أو إلغاء الأحزاب كما فعل الضباط الأحرار من قبل، بل إنه أعاد السلطة إلى شعب مصر ليكتب دستورا يعبر عن طموحاته وينتخب برلمانا ورئيسا جديدا للبلاد بحرية تامة، بعيدا عن سلطة الجيش وجماعة الإخوان. الآن فقط يمكن القول إن الثورة المصرية قد نجحت، وإن السلطة عادت للشعب.
المقال الاصلي
إرسال تعليق