بعد رحيل المخلوع، أدرك المصريون أننا
على أعتاب مرحلة جديدة فى عمر الوطن، وانطلق كل منا يعمل بكل طاقته لنبنى
وطناً، طالما حلمنا به. وعلى الرغم من شكوكٍ كانت تساور معظمنا آنذاك ـ
وتأكدت فيما بعد ـ حول طريقة إدارة المرحلة الانتقالية لصالح الثورة
المضادة؛ إلا أن كلا منا كان يبذل أقصى طاقته من أجل بناء الوطن الجديد.
وفى هذه الأثناء ـ خلال مايو 2011 ـ اتصل بى
النائب السابق مصطفى الجندى، وأخبرنى أن عدداً من القيادات الوطنية،
يُعدون وفداً شعبياً لزيارة إثيوبيا ـ على نفقتهم الخاصة ـ لمناقشة قضية سد
النهضة الذى تعتزم إثيوبيا إقامته، بما سيؤثر على نصيب مصر من مياه النيل.
وطُلب منى الانضمام إلى الوفد، وترشيح عدد من زملائنا الذين كان لهم دور
فى الثورة، للمشاركة فى هذه المهمة، لإعلان أن مصر ستدخل مرحلة جديدة فى
علاقاتها بدول العالم، تستعيد فيها الدور الذى يليق بها.
وهكذا، شرفت بالانضمام إلى وفد الدبلوماسية
الشعبية، برئاسة الدكتور محمد أبوالغار وعضوية عدد من القامات والرموز
الوطنية المحترمة، بالإضافة إلى رؤساء بعض الأحزاب وممثليها، وقابل الوفد
عدداً من المسؤولين الإثيوبيين، للتشاور حول الموقف، وكانت رسالة الوفد
واضحة: إننا نقدر حاجة إثيوبيا إلى السد لإنتاج الطاقة وتنمية البلاد؛ ولكن
المصريين لن يقبلوا بأى حال من الأحوال ـ أن يأتى ذلك على حساب حصة بلادهم
وأبنائهم فى مياه النيل.
وفى مقابلة مع رئيس الوزراء الإثيوبى،
آنذاك، أعرب عن أمله أن تكون هذه الزيارة بداية لطريقة مختلفة فى تعامل مصر
مع دول إفريقيا؛ بعد أن كانت علاقاتها بدول مثل إثيوبيا قائمة على
التهديدات والتجاهل، فى عهد الرئيس المخلوع مبارك ورئيس مخابراته عمر
سليمان! وقال إن هذا التعامل، وتعمد التجاهل، والتهديد، ما دفع بلاده للمضى
قدماً فى مشروع بناء السد خلال فترة حكم المخلوع! وإنه يفضل أن تكون
العلاقة مبنية على الاحترام المتبادل، وبناء المصالح المشتركة لتنمية
البلدين. وأوضح أعضاء الوفد أن المصريين يدركون ضرورة أن تقوم علاقاتهم
بدول العالم أجمع، على ذات القواعد؛ فلن نقبل أن تكون بلادنا تابعة لقرارات
الدول الأخرى، كما لن نقبل أن نفرض قراراتنا على دول أخرى، وأننا سنسعى
لبناء علاقات دولتنا الحديثة على أساس التعاون والمصالح المشتركة مع دول
العالم أجمع، كما تم الاتفاق على:
1ـ التزام إثيوبيا بعدم اتخاذ أى إجراءات لتنفيذ مشروع السد قبل انتخاب رئيس جديد للبلاد.
2ـ التزام الحكومة المصرية بتوفير مهندسين مصريين، للمساعدة فى عملية بناء السد.
3ـ تشكيل لجنة مكونة من مهندسين مصريين،
وإثيوبيين، وخبراء دوليين، تتولى بحث تأثير بناء السد على نصيب مصر من
المياه؛ على ألا يتم اتخاذ أى إجراء لبناء السد إلا بعد صدور تقرير من
اللجنة، يؤكد عدم تأثيره على نصيب مصر المائى.
4ـ تتولى الدولة فى مصر تشجيع رجال الأعمال المصريين على شراء الأراضى المحيطة بالسد واستصلاحها بأيد عاملة مصرية.
5ـ قام الدكتور محمد أبوالغار بتوفير 10 منح دراسية لطلاب إثيوبيين فى الجامعات المصرية.
ولم يتبق سوى قيام مسؤول رسمى مصرى بزيارة
إثيوبيا، لتوقيع اتفاق رسمى بين البلدين ينص على هذه البنود والعمل على
تنفيذها، بعدما سلم وفد الدبلوماسية الشعبية رئيس الوزراء المصرى آنذاك ـ
د. عصام شرف ـ تقريراً عن نتائج الزيارة، إلا أن هذا لم يحدث حتى الآن!
إرسال تعليق