كان خطاب الدكتور مرسى الأخير بمثابة «إعلان تفليسة»! لم يكن لدى الرجل ما
يقدمه بعد عام من الفشل على كل المستويات، كان يتحدث لأهله وعشيرته «لا لشعب مصر
كما يقول»، بينما الشوارع مغلقة بسبب أزمة البنزين، والبيوت مظلمة بسبب أزمة
الكهرباء، والقتلى والجرحى يسقطون فى أكثر من مكان فى مصر بسبب أزمة الحكم!
أكثر من ساعتين ونصف من «اللت والعجن» ومن البحث عن مبررات الفشل، ومن
الأحاديث المغلوطة عن تحسن الاقتصاد! وارتفاع مستوى المعيشة! ومن المحاولات
الخايبة لتصوير الصراع الذى تشهده مصر على أنه صراع بينه وأهله وعشيرته من جانب،
والفلول الذين يتصالح معهم من جانب آخر! هاربًا من الحقيقة التى تقول إن معركته هى
مع شعب مصر كله الذى يريد استعادة ثورته وإنقاذ الوطن من تحالف الفشل مع الإرهاب!
بدلًا من مواجهة الحقيقة والرضوخ لإرادة الشعب، يتخبط الدكتور مرسى فى كل
الاتجاهات ليهرب من سؤال الساعة حول مطلب الملايين التى ستنزل الميادين بعد غد
طلبًا لانتخابات رئاسية مبكرة تنقذ مصر من المأساة التى تعيشها.
يتحدث مرسى عن «مهرجان البراءة» للمسؤولين السابقين فى النظام البائد، ولا
يملك الشجاعة ليقول لماذا لم يصدر مجلس الشعب الإخوانى قانون العدالة الانتقالية،
ولماذا لم يصدره هو بعد تولِّيه الرئاسة، ولماذا لا يرفع يده عن القضاء، وكيف يسمح
لنفسه باتهام قاضٍ بالاسم بأنه مزوِّر، متصورًا أن موقعه سوف يحميه من القانون!
ويواصل الأخ مرسى الحملة الإخوانية على الصحافة والإعلام، يهاجم الزميل
مكرم محمد أحمد بكل تاريخه المهنى والنقابى، ويهدد أصحاب الفضائيات، ويتوعد من
ينتقده بالمحاكمات العسكرية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة! ويقول
للمعارضين: «سنة واحدة تكفى، وبعدها سوف أتصرف بقسوة»! يظن الرجل أن ذلك يُظهِره
بمظهر الرجل القوى، ولا يدرك أن أى طفل فى مصر يعرف أن كل ذلك لا يصدر إلا عن رجل
مرعوب.. مرعوب!
ومع هذا فليست المشكلة فى عام من الفشل قاد البلاد إلى الوضع المأساوى الذى
نعيشه، وليست المشكلة فى هذا التخبُّط وتوزيع الاتهامات على القضاء والإعلام
والمعارضة، المشكلة الأساسية هى فى «مرمطة» مقام الرئاسة بهذا الشكل.. مرة بالوقوف
بين أركان حربه من جنرالات الإرهاب فى الصالة المغطاة! ومرة بتبنِّى تهديدات
أنصاره بقتل المعارضين وسحقهم، وباعتبار «إنى أرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها»
دعوة للسلمية ونموذجًا للتحضر! ثم بهذا الحديث الأخير وساعتين من الثرثرة عن كل
شىء، إلا عن الخطر الحقيقى الذى تواجهه مصر بعد عام من حكم فاشل يضع الوطن على
أبواب الاقتتال الداخلى، بدلًا من أن يرضخ لإرادة الشعب الذى رفع فى وجهه الكارت
الأحمر!
ملاحظة أخيرة.. كان شهود الثرثرة الرئاسية هم الوزراء وبعض المسؤولين وبعض
الأهل والعشيرة، ثم فرقة من «الهتِّيفة» المدرَّبة، بينما غاب شيخ الأزهر الإمام
الطيب، وغاب بطريرك الكنيسة الوطنية، وغاب رؤساء الأحزاب وشباب الثورة، وكل
القامات الثقافية والفكرية، مصر الحقيقة كانت خارج الاجتماع تستعد لتجديد الثورة،
وإنقاذ الوطن بالنزول إلى الميادين بعد غد، مرة أخرى قدَّم الدكتور مرسى الدليل
على صِحَّة موقف الملايين التى أعلنت كلمتها: ارحل.. يعنى امشى !
المقــال الاصــلي
إرسال تعليق