على كثرة عدد المحللين والمعلقين عبر الفضائيات لخطاب مرسى الذى أطلقه مساء أول من أمس، فى الاستاد، لم يلحظ أحد أن أغنية «لبيك يا عَلَم العروبة كلنا نفدى الحمى» التى غناها فى الخمسينيات المطرب اللبنانى محمد سلمان فى ذروة تحرر الشعوب العربية وتطلعها لنسائم الحرية، قد تحولت على حنجرة مطرب الحفل إلى «لبيك يا إسلامنا»، نعم قد تبدو تفصيلة دقيقة ولكنك لو تأملتها ستتأكد أنها ليست من وحى اللحظة، ولكنها تعنى أن الغرض من هذا الاستعراض هو توصيل تلك الرسالة التى تقولك النضال إسلامى لا عربى، وإن مصر لم تعد مصر بل هى مجرد بقعة صغيرة فى العالم الإسلامى المترامى الأطراف.
تم أمس إعلان تقسيم مصر إلى فسطاطين، معسكر إسلامى مع تنويعاته واختلافاته المذهبية يرفعون جميعا السيف مع كتاب الله، ومعسكر مدنى تتعدد أيضا فصائله، ولكنهم جميعا من الكفرة المارقين، وهذه هى مصر التى يريدونها، عندما يلبى رئيس الجمهورية دعوة من مجموعة لا تعترف ولا تعرف سوى أن «الإسلام هو الحل» فليس هناك تفسير آخر. وإذا كان الهدف من كل الكلمات التى سبقت مرسى هو توصيل رسالة أنهم أقوياء يرفعون شعار «لا إله إلا الله محمد رسول الله» سيواجهون بقوة الرافضين لبقاء مرسى، لأنهم ضد شريعة الله، وأن النضال سيبدأ أولا بالقضاء على الشيعة وبعدها ترفع الراية فى يد مرسى الزعيم المسلم السنى المفدى.
ذهب مرسى المرفوض من شعبه طالبا الغطاء من أهله وعشيرته، لكى يمنحوه دفئهم الكاذب، حتى لو كان الثمن هو أن تحرق مصر، إنهم يريدونه صراعا دمويا بعد أن ألبسوه ثوب الدين بين حماة الشريعة ومجموعة من الخارجين على ملة محمد، وفى هذه الحالة نصل لا محالة إلى أقصى ذروة، وهى الدماء التى ستراق على الأرض أمام الاتحادية وغيرها.
الكل يعلم أن نصرة سوريا لم تكن أبدا هى الهدف، ولكنهم أقاموا تلك التظاهرة على طريقة «الكلام إلك يا جارة» مصر هى الجارة وكأنهم عصابة «على بابا» تردد النداء الشهير «مين يعادينا مين مين يعادينا هاها»، الإخوان والقوى الإسلامية قررت أن تقدم استعراضا للعضلات والمجانص التى يتمتعون بها والتى لا محالة وبتأييد من المولى عز وجل قادرة على دحر الزنادقة فى ساحة الوغى. والإعلام بعد أن يتم تطهيره سينقل للجماهير انتصارهم وأفراح توزيعهم للغنائم، وطالبوا مرسى بأن يستمر كابسا على أنفاسنا سبع سنوات قادمة، وبكل ركاكة وثقل ظل يهتفون «سمع هس مافيش كلام الريس مرسى تعظيم سلام»، المؤكد لا يزال مرسى يعانى مما حدث له قبلها بأربع وعشرين ساعة، عندما طاردته دعوات المصلين يوم الجمعة ارحل ارحل ولهذا وعلى طريقة أحد الأفلام السينمائية عندما ذهب المريض القصير القامة إلى الطبيب النفسى عبد المنعم مدبولى يشكو إليه ضعفه وهوانه على الناس فقال له بسيطة ردد بصوت عال «أنا مش قصير قُزعة أنا طويل وأهبل» واعتقد صاحبنا بعدها أنه أصبح طويلا وأهبل!
لمن يتوجه خطاب مرسى: هل هو للشعب أم للأهل والعشيرة؟ مرسى قال إنه للجميع فكلهم أهله وعشيرته، هل كان ذلك صحيحا؟ طب عينى فى عينك كده، من تحدثوا قبل مرسى يحملون فيضا من الحقد والغل ضد كل من هو غير سنى ويريدونها بحارا من الدماء فى سوريا، نشجب بالتأكيد اشتراك قوات حزب الله وحسن نصر الله وتحويلها إلى حرب طائفية بين سنة وشيعة، ولكن لا ينبغى أن تضع مصر المزيد من الزيت على النار، كلنا سندفع الثمن عندما يقتتل الجميع.
تلك الوجوه التى رأيناها أول من أمس، فى الاستاد لا يشبهوننا، لا يشبهون الأغلبية من المصريين، هذه الملامح العدوانية المتشنجة وتلك الكلمات المتحفية التى يتبادلونها ليست لنا، المصريون لا يتحدثون أبدا بتلك المفردات، الصدام وشيك لأنهم أرادوه بين مسلمين فى صدر الإسلام وعبدة أصنام ينبغى أن يقيموا عليهم الحدود، وسوف يكرر مرسى فى مناسبات عديدة وحتى ساعة الصفر اللجوء إلى أهله وعشيرته ليقدم بين الحين والآخر «مرسى شو».
الأغلبية ستتوجه إلى الشارع يوم 30 يونيو تطالب برحيله، لو لم يفعل مرسى شيئا سوى ما حدث فى الاستاد لكان الرحيل هو أهون الحلول
المقـــال الاصــلي
إرسال تعليق