» » سمير عطاالله يكتب : "يا وردة من جوَّه جنينة"

سمير عطاالله يكتب : "يا وردة من جوَّه جنينة"

Written By Unknown on الأربعاء | 31.7.13


عشق المصريون القاهرة فسمّوها مصر. وعندما كبرت سمّوا امتدادها "مصر الجديدة" كأنما دفتر الأسماء قد نضب، أو على طريقة الملوك في حفظ الإرث والسؤدد. فمولود باكنغهام الجديد سوف يكون جورج السابع، عندما يبلغ سن العرش. صار لمصر أسماء كثيرة خارجة على تقليد التولّه بـ"بلادي بلادي بلادي". ومن نقائض المصادفات، لا محاسنها، أن اسم رابعة العدوية، تلك المتعبّدة الصوفية في برِّ العراق، لا ينسجم كثيراً مع تهافت "الإخوان" على السلطة وتهالكهم على غِواها. عاشت رابعة العدوية ألف سنة قبل الأم تيريزا، تحاول أن تثبت أن الخير في الترفّع والخلاص في المشاركة.
كنّا نخشى الحرب الأهلية في مصر، أي أكثر الحروب همجية وتوحشاً. صار الخوف أشد: فقراء الأقباط والمسلمين يتكاتفون في شبرا وإمبابة والمحلَّة، وطبقات المسلمين السياسيين تتواجه ما بين ميدان التحرير ومدينة نصر حيث اغتال "الإخوان" أنور السادات على مدرج 6 أكتوبر، ذكرى العبور.
هذه دراميات مصر التي لم يستوعبها الإخوان، بين أمور أخرى. وهي أن العسكر مرئيون أبداً، في الظل أو في الواجهة. كان جمال عبدالناصر أقوى حاكم في مصر، ومع ذلك قال لمحمد حسنين هيكل في 9 حزيران 1967: محمد، أنا أخاف أن يرتدّ الجيش عليَّ، أو أن ترتدّ الناس على الجيش. الأحزاب الإيديولوجية لا تفكّر في غير نفسها وبقائها. لم يستطع محمد مرسي العياط أن يدرك، أن الفوز بالرئاسة ليس فوزاً بمصر. أعلن دستوره وانتقى حكومة هزيلة مثل الكاريكاتور الضاحك ثم التفت صوب الجيش يطوّعه. في السياسة، الغباوة ليست عذراً. سواء كانت غباوة فردية، أم مشتركة تدخَّل فيه مرشد الإخوان وتجّارهم الكبار وذوو الأموال التي كانت تنفع في زمن المعارضة. الحكم شيء آخر.
عندما فاز مرشح "الإخوان" برئاسة مصر، كان يفترض أن تدعو الجماعة مفكريها – وهم كُثر – ومنشقّيها – وهم عقلاء – إلى مؤتمر تدرس خلاله أخطاء الحزب – وهي كثيرة جداً – وتبحث في آفاق الحكم من دون استعداء 70 مليون مصري على الأقل. ولكن كيف يمكن حزبا على علاقة مباشرة بالعزة الإلهية، وله مرشد ختم شؤون الأرض والسماء، أن يقرّ بوجود آخرين سواه؟
بينما كان ستالين يوزّع 43 ألف مربض مدفعية لضرب برلين، كان هتلر يَعِد الألمان من حصنه تحت الأرض، بألف عام من الرايش الثالث والفكر النازي. لم يخرج بعدها إلى الضوء ليرى أن روما الحديثة قد أصبحت ركاماً، مثل درسدن وكولن وهامبورغ. ألف عام من الإخوان، كان يحلم محمد مرسي، وهو محاصَر في قصر الاتحادية، منذ لحظة فوزه، ومصرتشتعل من حوله.
المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفياتي أعلن نهاية مرحلة ستالين. لا سيبيريا كمنفى بعد اليوم ولا لافرنتي بيريا كجزار. بعد الهزائم التي ألحقت بحزب العمال البريطاني قرر مؤتمر الحزب التطهّر من العفونة. لكي يستمر، قال طوني بلير، يجب أن ننافس المحافظين في حداثتهم، وليس أن نتجاوز أنفسنا، لأن هذا أسهل ما يكون. الحزب الذي لا يتجدَّد كالشجرة التي لا تُقلَّم. يقول أهل القرى إذا كنت تحب عريشتك كلّف عدوك تشحيلها.
الذين طالبوا بإعادة النظر في الحزب، طُردوا ومعهم عقولهم وآفاقهم. حكم بلا آفاق دولة بلا بقاء. تذكّروا العام الأول من محمد مرسي يوصلكم إلى خلاصة واحدة: لن يدخل الرجل العام التالي رئيساً. لن تذوب من تحته نصف مليار جنيه وهو جالس فوقها. يصيح أنا الشرعية والشرعية أنا.
الأوكراني نيكيتا خروشوف لم يَعِد الإتحاد السوفياتي بالوصول إلى القمر. وعدُه الأكبر كان، أنه بعد خمس سنوات لن نستورد القمح من أميركا. سوف يكون الرغيف سوفياتياً. مرسي وَعَد بالجنة في حين أن 25 مليون مصري ينامون دون عشاء. رُويت دعابة تقول إن ديبلوماسياً درزياً بلا سند سياسي قرر وزير الخارجية إرساله إلى الصين يوم هي منفى. وكان شائعاً أن الدروز يتقمّصون في الصين! فقال الديبلوماسي لوزيره: "استنه عَ الصين لاحقين نروح. لوقتها دبِّرنا بأوروبا".
يجوز الاتكال على صبر الفقير، لكن ليس على سذاجته. لا تستغفل الجائعين، فهم لا يملكون ترف النسيان. لا يملكون حتى الوقت. كان الأقل ضرراً بالنسبة إلى عقلاء مصر، أن يأخذ مرسي جزءاً منها إلى رابعة العدوية، بدل أن يأخذها كلها إلى ألف عام من الرايش الثالث، بقيادة محمد بديع وخيرت الشاطر وبقية الشطار الذين صنعوا الثروات باسم محاربة الفقر والظلم.
جرَّ هذا الرجل مصرإلى حرب هويات. والهويات قاتلة، كما قال أمين معلوف، الذي عندما غادر بيروت إلى باريس، كانت جميع تفاصيل الهوية تقتل: الدين يقتل. الطائفة تقتل. المنطقة تذبح. الجهة الجغرافية تُشعل حرباً. واللهجة تفصل بين الموت والحياة. لكثرة ما شاهد وما عانى، أخذ أمين معلوف "الهوية" على محمل الجد. إنها أحياناً مسدس، وأحياناً مدفع. لكن أوسكار وايلد سخر منها كما سخر من الضعف البشري: "معظم الناس هم أناس آخرون. أفكارهم هي آراء أناس آخرين، وحياتهم تقليد، وكل ما يحبونه منقول". لسنا وحدنا في مأساة الهوية وصغرها.
إذا كانت سنغافورة أهم منجز بشري في عالم النسبيات، فإن أهم ما في هذا المُنجز ليس الاقتصاد. الأهم هو أن لي كوان يو لم يعطِ الطمأنينة للأكثرية الصينية، بل للأقليات الأخرى. أعطاها سكينة الانتماء. الأقليات العاملة في فرنسا كادت تُحرق باريس العام 2005 لأنها تشعر أنها على هامش كل شيء. حتى في أسوج قبل أشهر أُحرقت أطراف العاصمة بأيدي أناس يحملون الجنسية ولا يحملون الهوية! الفارق كبير بين أن تُعطى جوازاً لتسافر أو حقاً لتبقى.
ما تراه في رابعة العدوية وفي حمص وفي العجز اللبناني الدائم عن تشكيل حكومة، أو ما تراه من اغتيالات في تونس وصراعات في اليمن وتفتّت في فلسطين ما بين الضفة والقطاع بدل وحدة "النهر إلى البحر"، هو حرب هويات. الدولة العربية لم تُولد ولم تقُم. مجرد تجارب وتسميات، طفولية أو غليظة أحياناً، اشتراكية ولا اشتراكيون، ووحدة وليس إلا شظايا، واسلامية والمذابح لا تقع إلا في رمضان وعربية ولا عرب ولا عروبة وجماهيرية والجمهور مؤلف من الأخ القائد وأبنائه السفهاء وعديله الجزار الذي يعدم طلاب الجامعة في الساحات العامة. فقط للتذكير... هويات هويات هويات، كما في كلمات كلمات كلمات لأنسي الحاج، التي استعارها عنواناً من شكسبير من دون أن يدري أن كاتباً كبيراً آخر في الكاريبي قد سبقه إلى باب الكنز: في. أس. نيبول. مثله "بوجه واحد" لا يساير ولا يساوم. كُلِّف أن يحاضر في جامعة كمبالا فلم يأتِ الى الصف مرة واحدة: كيف للمرء أن يدرِّس هذا المستوى من الغباوة. أنا نيبول، دبّروا لي طلاباً يصعدون إليَّ، لا أنزل إليهم.
كانت إفريقيا مجموعة قبائل. كل أرض البشر كانت قبائل: "إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتَعارفوا". ولا يتعارفون. المصري القبطي أقرب إلى المصري المسلم في شبرا ألف مرة من مصريين مسلمين في سيناء. اعتقدنا ذات مرة أن الفظاعة الكبرى هي احتلال إسرائيل لسيناء. خطأ. إنه احتلالها للعقل العربي المتدافع إلى التخلّف والتفسّخ والانحطاط والعدَمية، فيما هي تتجاوز فرنسا في تصدير الأسلحة، وتتجاوز كاليفورنيا في وادي السيليكون وعالم الرقائق.
يُقترح علينا هنا الآن هوية جديدة. ما رأيكم بـ "المشرقية"؟ والله أنا معكم. أولاً، الاسم ظريف لطيف خفيف وحبّاب. ولكن هناك بضع عقبات صغيرة لا بد من إحالتها على الدرس. أولاً، مصطلح "المشرق" Levant يعني في ما يعني "الحربقة". أو المركنتيلية. وجميع من هاجوا على المركنتيلية اللبنانية كانوا تجاراً ولم يمارسوا في حياتهم سوى أمرين: التجارة، ومهاجمة المركنتيلية.
المشرقية بديلاً من العروبة! لماذا؟ لكي نتمكن من ضمّ إيران إلينا أو ضمّنا إليها. ولكن ماذا نفعل بإزمير التي كانت ثالثة دُرر "المشرق" مع الاسكندرية وبيروت؟ درَّة مَن؟ وماذا بيروت الآن ودرة ماذا الاسكندرية التي شاءها الاسكندر بديلاً من أثينا وإسبارطة، الفلاسفة والعسكر؟ كان يومها في الخامسة والعشرين. تصوَّر أن تُهدي إلى نفسك مدينة تورّثها لكليوباترة، وتُبنى فيها أوسع مكتبات الأرض. يا أخي، في المشرقية ألم تكن العربية لغة التنزيل ونهج البلاغة، بلاغة العربية؟ لا تسئ مفهومي للهويات. أنا هويتي الأولى الإنسان إذا كان خيِّراً. أفضل الناس أنفعهم للناس. بيل غيتس لأنه تبرّع بثروته لفقراء العالم وليس خيرت الشاطر لأنه شاطر سياسة وتجارة وسجون. أنا قلت لك، أعظم النساء عندي الأم تيريزا لأنها عاشت مع البُرص وليست ديانا سبنسر التي قامت بزيارة مجموعة منهم بناء على اقتراح مكتب العلاقات العامة. الكبار ليست لهم علاقات عامة ومكاتب إعلامية. هذه البدعة المسمّاة مكتباً إعلامياً محظورة إلا في لبنان. إذا كنت أكبر من شعبك اذهب إلى بلد يسمح لك أن تكون أكبر من شعبه. أما أنت رجل دولة تتحدث باسمك أو عبر ناطق رسمي، أو تِضرَب أنت ومكتبك الإعلامي. مَن أنت لكي تتنازل إلى مخاطبتي؟ من أنت لكي تضع بينك وبيني مكتباً؟ أمس فقط كدت تقبّل يدي من أجل ورقتي. وهي ورقة مزوَّرة في أي حال، لأنها معك وضد أرضها. أنا جزء من كرنفالك. أنا عتبة صرمايتك العتيقة. أنا أزوِّر لكي أصنعك وأنت تَخدع لكي تمحوني، وكلانا بضاعة تقبل أن يخاطبها مكتب إعلامي فوقه مكتب إرشادي.
قل لي أي نوع من المكاتب الإعلامية تتبع أقُل لك سماكة التخلّف المتمكِّن فيك. حتى المندوب السامي كان هو يخاطب الناس. بابا رومية يخرج لمخاطبة الحجاج في ساحة القديس بطرس، وإلا لماذا أنت بابا عليَّ، لماذا لا تبقى خوري الضيعة وواعظ ساحتها؟
أنا حزين لمصر وخائف لسوريا. إن مصر التي يريدون إحراقها من أجل محمد مرسي العياط هي مصر أفقت وأنا أسمع أغانيها وأصغي إلى أول خطاب سياسي وأرى كبار العرب يعودون من جامعاتها وأرى إسلامها مرجعاً بجواهر الأزهر وأرى صحافتها رمح العرب وأرى رجالها نهضة العروبة ورايات الأزمنة: محمد عبده وطه حسين ولا يضيرهما أن يكون معهما جرجي زيدان وأنور عبد الملك. سألتني "المصري اليوم" في مقابلة على يومين من تريد رؤيته في مصر؟ ولما كان الأول الذي أهفّ إلى لُقياه أحمد بهاء الدين، قد غاب، فأجبت الدكتور علي السمان، وأنور عبد الملك. قالت الصحافية: "دُول بس، من كل مصر؟" قلت دُول بس. قالت لماذا؟ قلت لأن الدكتور علي السمان جاء بجان بول سارتر إلى مصر وأخذه إلى غزة لكي يتحدّث منها عن حق العودة. وأنور عبد الملك لأن الناس كانت تظنّه شيوعياً وفي الحقيقة كان ابن ترعة يدرس في السوربون أعلى الفكر الإنساني.
يحزنني أن أرى مصر تحترق من أجل رجل انتُخب باسم الديموقراطية فظنّها تفسيراً عربياً آخر. "الحزب الوطني" كان يجدّد لحسني مبارك (اقتراع سري لعدم الإحراج) بـ 99%، وحزب "الإخوان" يريد أن يُضفي على مرسي شيئاً من هذا. أنا حزين لمصر. حيث تقول زفّة العروس: اتمخطري يا عروسة يا زينة "يا وردة من جوَّه جنينة". كانت بلاد شمّ النسيم. الشكوى الكبرى في مدينة نصر الآن هي من روائح الاعتصام. إنها أعلى من الأصوات وأفظع.

المقــال الاصــلي
شارك الموضوع :

إرسال تعليق

اضف الى اضافتى Top Social Bookmarking Websites

كلوديا نزلت الاتحادية هيدي كلوم عارية بكاميرا والدتها صديق جيا شجعها علي الانتحار ! ميس حمدان في انتظار ابن الحلال سلمي تتعامل مع الشيخوخة بهدوء

الأكثر قراءة

للاشتراك في خدمة RSS Feed لمتابعة جديدنا اضغط هنا,او للاشتراك في خدمتنا البريدية
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2013. التيار - All Rights Reserved
Template Created by IBaseSolutions Published by Ibasethemes
Proudly powered by Ibasethemes