كشفت التطورات المتسارعة في مصر خلال الاسابيع القليلة الماضية اكثر فاكثر غياب وجود رؤية واضحة واستراتيجية سياسية اميركية وفق ما ترى مصادر سياسية وديبلوماسية نظرا الى الارباك الذي احدثته هذه التطورات في السياسة الاميركية مجددا. الامر الذي ساهم في تعزيز ما يذهب اليه كثر من ان الارتباك الاميركي في الموضوع السوري لا يعود فقط الى غياب التوافق الاميركي الروسي على حل للازمة السورية بل الى غياب خريطة طريق واضحة تستند اليها الولايات المتحدة من اجل تقويم سياساتها والبناء على هذا الاساس. فالتحولات الاخيرة التي حصلت في مصر تعتبر تاريخية واستراتيجية وهي مربكة جدا من حيث طبيعتها وابعادها بحيث لا يمكن صياغة موقف بسهولة مما يجري وفق ما يظهر حتى الان في مواقف غالبية المجتمع الدولي. الا ان النظرة الى الولايات المتحدة في هذا الاطار تفترض انها ينبغي ان تكون على علم مسبق وتستطيع التأثير في مسار الامور نتيجة لطبيعة العلاقات التي تقيمها مع الدولة المصرية واركانها بحيث يصعب تصديق ان هناك ارتباكا حقيقيا تبعا للبعد المعقد الذي يكتسبه الوضع المصري. وهذه النظرة المتصلة بدور الولايات المتحدة متعددة الاسباب والبعض يتبناها من اجل توظيفها سلبا او ايجابا خصوصا ان واشنطن كان لها دور اساسي في تنحي الرئيس حسني مبارك وفتحت الابواب واسعة امام وصول الاسلام السياسي الى الحكم وابدت الاستعداد للتكيف والاستعداد للتعاون معه.
الا ان متصلين بمسؤولين في الادارة الاميركية ينقلون انطباعات تشي بغياب وجود رؤية واضحة للامور لجملة اسباب واعتبارات يرتبط بعضها بطبيعة الادارة الاميركية المحافظة اذا صح التعبير وفق ما بات معروفا عن السياسة الخارجية لهذه الادارة التي يقارنها كثر بادارة الرئيس جيمي كارترفي اواسط السبعينات بعد حرب فيتنام والتي حرصت على ازالة كل ما يتصل بالمرحلة السابقة والاثمان الانسانية التي دفعها الاميركيون هناك من خلال اعتماد الرئيس باراك اوباما على نهج الانسحاب الاميركي من مواقع الحروب في الخارج كالعراق وافغانستان بدلا من التورط او التدخل في حروب جديدة. فبات ينطبق على الادارة الاميركية انطباع اللاقيادة وليس فقط القيادة من الوراء او من الخلف كما حصل بالنسبة الى التعاون الغربي في ازمة ليبيا واطاحة معمر القذافي. والبعض الآخر من هذه الاعتبارات يتصل بتعقيدات المشهد المصري في ذاته كما بتعقيدات المشهد السوري بالنسبة الى المقاربة الاميركية للازمة في سوريا. اذ ان الولايات المتحدة وفق ما تقول هذه المصادر لم تستوعب كليا بعد مسار انطلاق الاسلام السياسي الذي صعد صعودا قياسيا قبل عام او اكثر بقليل مع وصول حكم الاخوان المسلمين الى مصر وفي تونس وتشكيلهم حزءا مهما من المعارضة السورية والتي حاولت ان تنسج معهم علاقات صلبة واستيعابية قوية لم تلبث ان ووجهت بتحول جذري مع مشهد الملايين من المصريين في الشارع واثارة التباس في مفهوم الديموقراطية واين يكون هذا المفهوم في نزول ملايين المواطنين في الشارع ام هو في صناديق الاقتراع. ولذلك كان الارتباك حقيقيا ولم تنته مفاعيله بعد نظرا الى ان المشهد المصري لم يكتمل بعد وهو في طور التطور مع انعكاسات هائلة في المنطقة على دول الخليج العربي وتركيا وسائر القوى الاسلامية في الدول العربية.
يضاف الى هذه العوامل ان المشهد المصري يتفاعل على ضوء مجموعة عناصر اخرى متداخلة مع مفاهيم الانقلاب والديموقراطية التي غلب الجدل في شأنها اخيرا وتتصل بمحاولة قراءة ما سيكون عليه وضع الاخوان المسلمين ليس في مصر وحدها بل في المنطقة ومصير الاسلام السياسي في ضوء ذلك. فضلا عن مفاهيم الارهاب والصراع السني الشيعي ومفاعيله المتوهجة في المنطقة الى جانب موضوع السلام مع اسرائيل والصراع الاميركي مع ايران. فهذه الاعتبارات تزيد من الحذر في انتظار اتضاح الرؤية علما ان المصادر لا تخفي تسجيل مشهد معاكس تعبر عنه ايران في هذه اللحظات الحساسة والمصيرية. فايران اظهرت خلال الاسبوعين الماضيين نشاطا وزخما يعتبر كثر انه يندرج في اطار محاولة توظيف ما حصل في مصر من اجل تسجيل نقاط لمصلحتها ولو لا يندرج في اطار الربح الاستراتيجي على كل النقاط. وهذا يظهر في محاولتها اللعب على الساحة الاسلامية وليس الاسلامية العربية وحدها تحديدا قياسا على جملة امور من بينها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي لتركيا التي تأذت كثيرا من اسقاط حكم الاخوان المسلمين في مصر ولم يخف مسؤولوها استياءهم الشديد القائم والمستمر حتى الان في ما قرأه سياسيون معنيون محاولة تقارب او التقاء مصالح مع تركيا او الاستفادة من لحظة الاستياء والغضب التركي نحو تنسيق اكبر في ملفات اخرى قد تكون سوريا احدها. يضاف الى ذلك الانخراط الايراني المتزايد والمستمر في الحرب الى جانب النظام في سوريا عبر "حزب الله" في شكل مباشر ومساعدة النظام على تسجيل مكاسب ميدانية نوعية واخيرا الالتفات مجددا في اتجاه محاولة استعادة حركة "حماس" الى الحضن الايراني في ضوء الضربة القاسية التي تلقتها الحركة من التحول السياسي في مصر ومن مستقبل علاقة مع نظام صاعد لا توحي بالتفاؤل.
المقال الاصلي
إرسال تعليق