البطل أحمد عبد العزيز وُلد أحمد عبد العزيز في مدينة (الخرطوم) في (18 من جمادى الآخرة 132هـ = 29 من يوليو 1907م) حيث كان يعمل أبوه ضابطًا بالجيش المصري في السودان، ولا يُعرف كثير عن حياته الأولى.
قدم من مصر تاركًا رتبته ووظيفته العسكرية ليلحق بركب المجاهدين على أرض فلسطين قائدًا للمتطوعين إنه القائد البطل أحمد عبد العزيز.
لم يكن والد أحمد عبد العزيز -الذي كان يعمل ضابطًا في الجيش المصري المتواجد في السودان- يعلم أن ولده الصغير الذي رزق به يوم 29 من نوفمبر 1947م في مدينة الخرطوم سيخط اسمه في التاريخ، وأنه سيرث منه بشكل خاص الوطنية والكرامة وحب الحياة العسكرية والنضال، فقد كان موقف والده من ثورة عام 19 في مصر علامة فارقة في حياته، علمته أهمية العمل الوطني والجهاد في وجه الاستعمار والاحتلال فعندما سمح والده للجنود التابعين له بالخروج من ثكناتهم والمشاركة في المظاهرات التي كانت تموج بها شوارع القاهرة، وهو ما تسبب في إثارة غضب سلطات الاحتلال الإنجليزي ضده وأدى إلى عزله من الجيش، أعطى ابنه درسًا عظيمًا في التضحية بالمناصب من أجل الأوطان، وهو ما دفع أحمد عبد العزيز إلى إكمال مسيرة والده فاتجه بعد تخرجه في المدرسة الثانوية إلى الكلية الحربية، وتخرج فيها سنة 1928م ثم الْتحق بسلاح الفرسان، حيث تميز بشكل كبير في الفروسية وكان بطلاً فيها، وفاز بالعديد من البطولات على مستوى القطر المصري
كان لهذه البيئة التي عاش فيها البطل أحمد عبد العزيز كبير الأثر في غيرته على أراضي المسلمين ومقدساتهم، فقد تعلم حب الوطن والزود عنه من والده، وأيضًا تعلم التضحية بالغالي والنفيس من أجل الأوطان.
الأخلاقيات والإنسان
وعُرف (أحمد عبد العزيز) بين زملائه وتلاميذه بالإيمان العميق، والأخلاق الكريمة، والوطنية الصادقة، وحب الجهاد، والشغف بالقراءة والبحث، وزادته الفروسية نبل الفرسان وترفعهم عن الصغائر والتطلع إلى معالي الأمور
فكره العسكري
امتاز البطل أحمد عبد العزيز بخصلتين هما الأساس التي ارتكزت عليه شخصيته:
1- جرأة غامرة، وولع بالمخاطر وصل به إلى حد التهور، وكثيرًا ما كان يعرض نفسه لأخطار شديدة، حتى أشفق عليه ضباطه، فلم يكن يجيبهم إلا بكلمة واحدة: {لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51].
2- اعتزاز بشخصيته وكفايته: كان كثيرًا ما يصل به إلى حد الغرور.
وهاتان الخصلتان هما اللتان دفعتاه للزج بكتيبته في أخطار شديدة والقيام بالأعمال الخارقة التي ظلت الصحف تتداولها طوال فترة الحرب، وهاتان الخصلتان أيضًا هما اللتان دفعتاه لأخطاء جسيمة عصفت بالكثيرين من رجاله، وأثرت تأثيرًا بعيدًا في النتيجة العامة للحرب
3- المبادأة: حوى فكر أحمد عبد العزيز العسكري على المبادأة فكان يبدأ بالهجوم على اليهود في كل مرة إلى أن علم أن حرب العصابات تؤتي ثمارها أكثر من الحرب النظامية فعمد إلى حرب العصابات، يقول الأستاذ كامل الشريف: وكانت خطة أحمد عبد العزيز ترمى إلى مهاجمة المستعمرات اليهودية، وكان يريد أن يسلك الخاطئ الذي سارت فيه قوات الإخوان الحرة من قبل
أهم المعارك ودوره فيها
لم تطل إقامته في (خان يونس) فبدأ عملياته بأن أرسل قوة صغيرة من الإخوان تهاجم قافلة يهودية فاشتبكت معها في (13) مايو وأرغمتها على الفرار، لكن أول المعارك الكبيرة التي خاضها أحمد عبد العزيز مع العصابات الصهيونية كانت ضد مستعمرة كفار داروم التي ما زالت جاثمة على أرض قطاع غزة، وقد شارك أحمد عبد العزيز بنفسه في جمع المعلومات عن المستعمرة بعد أن تنكر في زي فلسطيني مع مجموعه من مساعديه، ووضع خطه محكمة للقضاء على المستوطنة إلا أن المعركة لم تؤدي إلى الغرض المطلوب بسبب التحصين الشديد للمستعمرة وتلغيم المناطق المحيطة بها، لكن قوات المتطوعين قامت بمحاصرة المستعمرة ومنعت أي إمدادات في الوصول إليها وخلال ذلك دارت معركة مع قافلة إمدادات حاولت فك الحصار وكانت نتائجها قتل كل من في القافلة والاستيلاء على خمس عشرة سيارة مصفحة وكميات كبيرة من الذخيرة والإمدادات.
ولما بدأت قوات الجيش المصري الرسمية تتقدم إلى فلسطين عرضت على (أحمد عبد العزيز) العمل تحت قيادتها، فتردد في قبول العرض، واحتج بأنه يعمل مع جماعات المتطوعين الذين لا يلتزمون بالأوضاع العسكرية التي يلتزم بها الجيش النظامي، ثم قَبِلَ في آخر الأمر أن يتولى مهمة الدفاع عن منطقة بئر السبع ولا يتجاوزها شمالاً؛ وبذلك يتولى عبء حماية ميمنة الجيش المصري والدفاع عن مدخل فلسطين الشرقي.
وجمع أحمد عبد العزيز قواته واخترق بهم صحراء النقب مارًّا بمستعمرة (العمارة) حيث ضربها بمدفعيته في (17 مايو) ودخل بئر السبع وقابله السكان مقابلة رائعة ولم يكد يستقر بها حتى بدأ أولى حركاته بضرب مستعمرة(بيت إيشل) الحصينة ثم شرع في توزيع قوته على هذه المنطقة فأرسل جزءًا بقيادة البكباشي زكريا الورداني ليحتل العوجة والعسلوج العربيتين، وأبقى جزءًا آخر بقيادة اليوزباشي محمد عبده ليتولى الدفاع عن مدينة بئر السبع ومنطقتها
معركة مستعمرة رمات راحيل
كانت مستعمرة (رمات راحيل) تشكل خطورة؛ نظرًا لموقعها الاستراتيجي المهم على قرية (صور باهر) وطريق القدس- بيت لحم، لذا قرر أحمد عبد العزيز احتلال المستعمرة وقاد هجومًا عليها يوم الاثنين 24/5/1948م بمشاركة عدد من الجنود والضباط والمتطوعين الأردنيين.
بدأ الهجوم بقصف المدافع المصرية للمستعمرة، بعدها زحف المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا أغلب الأهداف المحددة لهم.. ولم يبق إلا منزل واحد احتمى فيه مستوطنو المستعمرة.. وحين انتشر خبر انتصار أحمد عبد العزيز، بدأ السكان العرب يفدون إلى منطقة القتال لجني الغنائم، والتفت العدو للمقاتلين، وذهبت جهود أحمد عبد العزيز في إقناع الجنود بمواصلة المعركة واحتلال المستعمرة أدراج الرياح, وأصبح هدف الجميع إرسال الغنائم إلى المؤخرة..
ووجد (أحمد عبد العزيز) نفسه في الميدان وحيدًا إلا من بعض مساعديه، كما حدث للنبي محمد حين تخلى عنه صحبه في معركة (أحد), وكما تغيرت نتيجة المعركة التي قادها النبي , وصلت التعزيزات لمستعمرة (رمات راحيل) وقادت العصابات الصهيونية هجومًا في الليل على أحمد عبد العزيز ومساعديه الذين بقوا, وكان النصر فيه حليف الصهاينة, وكان على العرب الوقوع في نفس الحفرة، على الأقل مرتين.!
معركة كفار ديروم
تلقى البطل أحمد عبد العزيز نبأ الهزيمة في كفار ديروم فجزع جزعًا شديدًا وألم لفقد هذا العدد الضخم من خيرة رجاله دون أن يحقق أدنى نتيجة، فصمم على أن يوقع باليهود درسًا مرًّا، وأعاد لقوته روحها المعنوية التي كادت تتلاشى بعد هزيمتها في (كفار ديروم).
ضرب المجاهدون حصارًا محكمًا حول المستعمرة وفي اليوم التالي للمعركة حاول العدو تحطيم هذا الحصار وإدخال قافلة كبيرة محملة بالجنود والعتاد، وكانت هي الفرصة التي ينتظرها أحمد عبد العزيز ويسيل لها لعابه فنظم لها (كمينًا) محكمًا، وحشد مدافعه على سفوح التلال المشرفة على الطريق، وحين دخلت في الدائرة التي رسمها أمر اليوزباشي (حسن فهمي) قائد مدفعيته فانطلقت المدافع من أبعاد قريبة وحاول اليهود الدفاع عن أنفسهم بادئ الأمر، ولكنهم وجدوا بأنفسهم محصورين داخل حلقة فولاذية فاختاروا أهون الضررين، وقذفوا بأنفسهم من المصفحات وحاولوا النجاة بأرواحهم والفرار إلى مستعمرة (كفارديروم).
وكانت هذه خطوة محسوبًا حسابها في الخطة إذ كان الأخ المجاهد (على صديق) يقود فصيلة من المشاة مختبئة بعناية وراء التلال القريبة فلم يكد اليهود ينزلون من المصفحات ويتحركون تجاه المستعمرة حتى انطلقت الرشاشات من كل صوب فحصدتهم حصدًا، ولم ينج منهم أحد، وحاول حماة المستعمرة نجدة إخوانهم، وتركهم الإخوان يغادرون الأسلاك الشائكة ويبتعدون عنها ثم بدءوا يطلقون عليهم النار من (أوكار) معدة بعناية حتى سقط منهم عدد كبير، وتراجع الباقون إلى المستعمرة وسكتت المدفعية وأطبقت الرشاشات أفواهها الملتهبة، وأخذ المجاهدون يحصون ما غنموه فإذا هم أمام خمس عشرة مصفحة ضخمة مشحونة بأحدث طراز من الأسلحة والذخائر ومواد التموين، ولأول مرة تعلو وجوههم ابتسامات الفرح بعد هزيمة الأمس حين فتحوا إحدى المصفحات فوجدوها مليئة بالدجاج والطيور من مختلف الأنواع والأحجام.
وكان نصرًا رائعًا رد لهذه الكتيبة المجاهدة اعتبارها وعوض لها خسارتها وبعد هذه المعركة تغير الموقف واقتنع أحمد عبد العزيز بالنظرة الأولى وهي أن مهاجمة المستعمرات دون أن يكون معه عدد من الدبابات الثقيلة إن هو إلا ضرب من الانتحار فأخذ يستخدم (تكتيكات) العصابات ويضرب المستعمرات بمدفعيته دون أن يهاجمها ويعترض طريق القوافل المصفحة ويبيدها عن آخرها حتى أزعج اليهود إزعاجًا شديدًا وحرم عليهم التجول في صحراء النقب، وكان مقدرًا لهذه الحركة أن تحرز نجاحًا رائعًا لولا ماجد على الموقف الحربي من أحداث وتطورات.
من كلماته
قال البطل أحمد عبد العزيز في كلمة وجهها إلى المتطوعين على أرض فلسطين:
"إن حربًا هذه أهدافها هي الحرب المقدسة وهي الجهاد الصحيح الذي يفتح أمامنا أبواب الجنة، ويضع على هامتنا أكاليل المجد والشرف.
ولا تنسوا أن هذه الأراضي التي سنحارب عليها قد حارب أجدادنا عليها في عصور مختلفة، وسجلوا لنا مجدًا عظيمًا خالدًا، فلنرد هذا المجد الأبدي ولنخش غضب الله وكلمة التاريخ إذا نحن قصرنا في أمانة هذا الجهاد العظيم".
وقال: "نحن نحارب لحماية بلادنا وأولادنا وأحفادنا وأعراضنا وآمالنا في المستقبل من خطر اليهود الذي لا يضاهيه خطر في الشرق".
وفاته
أحرز البطل أحمد عبد العزيز والمتطوعين معه انتصارًا رائعًا مما جعله يملي إرادته على اليهود ويضطرهم للتخلي عن منطقة واسعة مهددًا باحتلالها بالقوة، وكانت المفاوضات تدور في مقر قيادة الجيش العربي بالقدس ويحضرها الكولونيل (عبد الله التل) القائد العربي في المدينة المقدسة وحين انتهت المفاوضات في ليلة (22) أغسطس أراد (أحمد عبد العزيز) أن يحمل نتائجها إلى القيادة المصرية العامة في (المجدل)، وأصر على أن يذهب في ليلته وكانت المعارك في ذلك الحين تدور بشدة على الطريق المؤدى للمجدل مما جعل ضباطه يلحون عليه في التريث وعدم الذهاب ولكنه قطع هذه المحاولات حين قفز إلى سيارته (الجيب) وهو يردد: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]. وانطلقت السيارة في طريق المجدل ولم يكن معه إلا اليوزباشي (الورداني)، واليوزباشي (صلاح سالم ) من ضباط رئاسة المواوي وسائق سيارته.
وكانت (عراق المنشية) في ذلك الحين تستهدف لهجمات متواصلة مما دعا القيادة العامة إلى منع السير على هذا الطريق بالليل
وما أن وصلت السيارة إلى مواقع عراق المنشية حتى صاح الحارس يأمر السيارة القادمة بالوقوف ولكن سوء الحظ تدخل هذه المرة إذ ضاع صوت الحارس في ضجيج السيارة فأطلقت نقطة المراقبة النار وتدخل سوء الحظ مرة أخرى حين أصابت أول رصاصة البكباشي (أحمد عبد العزيز) في جنبه، وحمله مرافقوه إلى عيادة طبيب بمدينة (الفالوجا)، ولكن قضاء الله سبقهم إليه فصعدت روحه إلى بارئها.
ولم يكد الخبر يذاع على الناس حتى عم الوجوم الجميع وبكاه كل فرد في الجيش وكان أكثر الناس حزنا عليه وألما لفراقه أولئك الجنود الذين زاملوه في الميدان، وقاسموه مرارة الهزيمة ونشوة النصر، ونعته وكالات الأنباء ومحطات الإذاعة العالمية، وأسف لفقده الحلفاء والأعداء ونعوه للناس بمزيد من الإعجاب والإكبار، وبموت أحمد عبد العزيز طويت صفحة من أمجد صفحاتنا العسكرية وأفل نجم لامع كان ملء سمع الناس وبصرهم، وخلا بذلك مكانه في الميدان وصعدت روحه الطاهرة لتحتل مكانًا مرموقًا في ملكوت الله وجنته ورفع اسمه من كشوف الجيش المصري ليحفظ في سجل التاريخ كأبرز شخصية عسكرية أنجبتها حرب فلسطين.
ويقول عبد الله التل في مذكراته: "بوفاته خسر الجيش المصري, لا بل الجيوش العربية قائدًا من خيرة قوادها". ويورد التل نص برقية أرسلت إليه من اليوزباشي كمال الدين حسين، باسم الجنود والضباط المصريين، يشكره فيها على مواساتهم باستشهاد قائدهم، ويوعده بالسير على درب البطل الشهيد, ويعلق التل على ذلك: "وقد برَّ الضباط المصريون بوعدهم وساروا في الطريق الذي رسمه أحمد عبد العزيز، وإذا كانت مؤامرات السياسة في قضية فلسطين قد حالت دون تحقيق أهداف الضباط والجنود الأبرياء فليس الذنب ذنبهم
المصدر
إرسال تعليق