يحتدم السجال في أوساط المعلّقين الغربيين والعرب حول ما إذا كان يجدر بالولايات المتحدة وقف مساعداتها العسكرية لمصر أم لا، وكأن حياتهم تتوقّف على هذا الموضوع. من الواضح أن بعض المجموعات تشعر بالغضب والإرباك حيال الولايات المتحدة لأنها لم تصف الأحداث التي أدّت إلى عزل الرئيس مرسي بين 30 حزيران و3 تموز بـ"الانقلاب". يطلقون العنان لأقلامهم ويكثرون إطلالاتهم الإعلامية لإيصال فكرتهم، ولكن لا شيء يتغيّر، الامر الذي يجعلهم يزدادون غضباً وصراخاً.
إنهم يتصرّفون، بطريقة مأسوية، مثل أنصار مرسي الذين لن يستسلموا قبل إعادة رئيسهم إلى منصبه. هم أيضاً يبدون مكبّلين، وغير قادرين على طرح أفكار جديدة على النقاش. وبما إنهم لا يتقبّلون سوى آرائهم الخاصة، يتحوّلون نحو مسألة المساعدات ويطالبون بكل جبروتهم وسلطتهم (أو بالأحرى لاسلطتهم) بأن توقف الولايات المتحدة فوراً إرسال المساعدات إلى مصر. إن افتقارهم إلى البراغماتية وعجزهم عن طرح أفكار تتخطّى مسألة وقف المساعدات يعميان بصائرهم وبصائر كل من يصغي إليهم.
يرغب عدد كبير من المواطنين الأميركيين في أن تكفّ بلادهم عن إنفاق أموال المكلّفين على المساعدات التي تُرسَل ليس إلى مصر فحسب، وإنما أيضاً إلى إسرائيل، لمعرفة كيف سيتدبّر كل من هذين البلدين أموره بنفسه من دون تلك المساعدات. أنا واثقة إلى حد كبير من أن مصر تستطيع أن تستمر من دون المساعدات، لكنني لست واثقة من حيث إسرائيل.
على الولايات المتحدة أن تؤدّي الآن دوراً أهم بكثير من لعبة المساعدات. حان الوقت لتحميل الجميع مسؤولية أعمالهم، بمن في ذلك "الإخوان المسلمون" والليبراليون والمحافظون والشباب وكل مصري يريد أن يكون جزءاً من بناء الأمة في مصر.
سمعت محللاً بارزاً ينتقد الليبراليين المصريين قائلاً إنهم "مجانين لأنهم يعتقدون أن في إمكانهم أن يعيدوا كتابة العلوم السياسية!" لقد درس عدد كبير منّا "العلوم" السياسية في المدارس والجامعات. ودرسنا التاريخ والصحافة أيضاً. وما نشهده في السنوات العشرين الاخيرة هو ثورة على كل ما نعرفه وما حُملنا على تصديقه.
كان سقوط جدار برلين وانهيار الشيوعية فكرتَين غريبتين في مرحلة معيّنة من التاريخ، ولم تكن كتب العلوم السياسية لتتوقّع أن جورجيا وأرمينيا وليتوانيا وأوزبكستان ستكون دولاً مستقلّة. هل توقّع أي كتاب في العلوم السياسية نهاية الاتحاد السوفياتي أو تفّكك يوغوسلافيا السابقة وتحوّلها دولاً مستقلة؟ لو صدقّنا فقط ما ورد في الكتب السياسية، لظلّت تشيكوسلوفاكيا ديكتاتورية شيوعية، ولما كانت تيمور الشرقية لترى النور أبداً.
وصل الربيع العربي متأخراً وكان مفاجئاً بلا شك، ولا يزال جنيناً يحاول الصمود. ليت "الخبراء" يدعون الأمور تأخذ مجراها بدل الدفاع عن أفكارهم ومعتقداتهم القديمة
المقــال الاصـــلي
إرسال تعليق