الجـــديد

امين اسكندر يكتب : الثورة والسلطة

Written By Unknown on الثلاثاء | 6.8.13


للثورة تعريفات عديدة، منها تعريف يفيدنا فى موضوعنا المثار هو: «الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع بحركة عدم الرضا والحلم بالأفضل»،
أما السلطة فهى القدرة على الإكراه، بمعنى امتلاك قوة تستند إلى قاعدة من القانون، وتكون مقبولة ومتوافقا عليها بما يشكل الرضا العام، وإذا نظرنا إلى ما جرى فى مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 إلى ثورة 30 يونيو 2013، نستطيع أن نرصد ثورة ملايين المصريين الحالمين بأوضاع أفضل لوطنهم ولأنفسهم، لذلك كان من الطبيعى أن تكون الشعارات المرفوعة هى: عيش. حرية. عدالة اجتماعية. كرامة إنسانية، ومن المعلوم أن هذه الأهداف المبتغاة لها مداخل عديدة للتحقق، وينظر لها كل تيار سياسى من منظور معتقده الفكرى، ومنهجه السياسى، وانحيازه الاجتماعى، كما كان واقعا بصدد المبادئ الستة لثورة 23 يوليو- الثورة الأم- وإذا نظرنا، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات على مرور الموجة الأولى فى ثورة 25 يناير 2011، فسوف ينكشف لنا جميعا عدم السير فى طريق تحقيق تلك الأهداف، وفى ظنى أن ذلك يعود إلى أن الثورة فى موجتيها الأولى والثانية لم تتسلم السلطة، وبالتالى لم تمتلك قوة التنفيذ الجبرى المسنود على قاعدة القانون وشرعية القبول العام، ويعود ذلك إلى عدم وجود قيادة مفوضة من قبل الثوار تفاوض أو حتى تجبر القوى الأخرى على حقها فى تسلم السلطة، حتى تتم ترجمة أحلام الثورة وأهدافها لقرارات نافذة فى الواقع، وللأسف مازالت هذه الثغرة قائمة، ما ساعد وسمح بأن تتسلم السلطة قوى أخرى من جهاز الدولة أو من القوى المنظمة فى المجتمع، سواء كانت عسكرية أو مدنية، وقد تسبب ذلك فى خلق فجوة كبيرة بين أحلام الثوار ومتطلباتهم وبين ما يؤخذ من قرارات، حيث تفاوتت الرؤى وتباينت الاجتهادات واختلفت القراءات للمشهد السياسى والمرحلة المعاشة من الصراع الدائر فى مصر الآن، حيث تقرأ الثورة المشهد من منظور استقلال القرار الوطنى المصرى، والآخرون فى السلطة يغلب عليهم قراءة المشهد من منظور مصر التابعة والواقعة فى أسر السياسات الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، ولعل هذا الخلاف هو الذى جعل الثورة والثوار لا يرون فى المعونة الأمريكية طوق نجاة للاقتصاد المصرى ووجب التخلص منها، ويراها البعض شهادة للاستثمار الذى يجب أن يأتى، كما ترى الثورة وكذلك الثوار أن زيارة السيدة أشتون للدكتور محمد مرسى زيارة غير مرغوب فيها طالما الرجل يحاكم أمام قاضيه الطبيعى، أما من فى السلطة فيراها سببا فى إقناع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة بالمعاملة الكريمة واللائقة لرئيس سابق.
وترى أن السفيرة الأمريكية غير مرغوب فيها فى دولة استرجعت قرارها المستقل عبر ثورتها، إلا أن السلطة لا تريد إغضابها حتى ولو تدخلت فى شؤوننا الداخلية، لأنها تعودت على ذلك، والغريب أن يأتى من بعدها سفير شارك فى بناء جيش سوريا الحر، لو صح هذا الخبر لكان طلب الثورة عدم قبول أوراق اعتماده، إلا أن السلطة سوف ترحب بوجوده وتقبل أوراقه، كما أن الثورة ترى فى علاقتنا بالولايات المتحدة علاقة مصالح متبادلة وندية، إلا أن السلطة مازالت ترى فى أمريكا القوة الراعية لمصر.
عديدة هى الخلافات بين رؤية الثورة والثوار ورؤية السلطة وقراراتها، وسوف تكشف الأيام القادمة عن عمق هذه الخلافات، سواء كان ذلك فى الدستور أو السياسة الخارجية أو نموذج التنمية. لذلك مازالت مهمة بناء قيادة للثورة هى مهمة الثوار الأولى، ولهذا حديث آخر.

المقــال الاصــلي

فاطمة ناعوت تكتب : أم أيمن.. وأم الشهيد

Written By Unknown on الاثنين | 5.8.13


مع كامل احترامى للبشر كافة كـ«أشخاص»، أنتقد «الأفكار». أعلمُ سلفًا أن لا مقارنة ثمة بين السيدتين فى عنوان المقال. فالأولى تنتمى للفصيل الانتهازى الذى لا يستحقُ إهدارَ مداد الكتابة، بينما تنتمى السيدة الثانية للفصيل الذى يجب أن تُفرشَ الأرضُ تحت أقدامهن بالزهور، وتُكلّل هاماتُهن بأكاليل الغار والياسمين. الفصيل الأول أخذ كلَّ شىء، ولم يعطِ مصرَ إلا الخرابَ والتمزيق ومحو الهوية وقتل الأبرياء وتعذيبهم، والفصيل النبيل الثانى منح مصرَ أغلى ما لديه، فلذة الكبد، ولم يجن إلا محبة الناس وتعاطفهم. والحقّ أننى لم أرضخ لكتابة هذا المقال، إلا تحت سيل من رسائل مواطنين أزعجتهم تصريحاتُ السيدة أم أيمن، عزة الجرف، فى برنامج «آسفين يا ريس» مع الإعلامى طونى خليفة، وطلبوا منى أن أكتب رأيى فيما قالت.
وسط لُجّة متلاطمة من المراوغة، والتهرّب من الأسئلة، وتكرار الكلام لإلهاء المُحاوِر، وابتسامات ادّعاء الثقة بالنفس، سألها طونى: «ماذا لو كنتِ أمَّ الصبىّ الذى ألقاه أحدُ أنصار مرسى من أعلى بناية بالإسكندرية، فسقط جثّة هامدة، لا تعرف بأىّ ذنب قُتلت؟» فما كان من السيدة أم أيمن، بارك اللهُ لها فى أيمن وأشقائه السبعة وأحفادها، إلا أن قالت: «محصلش، الفيديو مُفبَرك»!! ليست الكارثة هنا فى كمّ الزيف والتغييب الذى تعيشه السيدة الإخوانية، التى طبخت لنا دستورًا يهين المرأةَ والطفل، ولا فى تجاهلها اعتراف القاتل الملتحى الذى كان يحمل علم القاعدة وهو يُلقى الطفلَ بدم بارد، بل كان تعجبى من غلاظتها، كأم، وهى تتجاهل غضبَ أمّ هذا الصبى وهى تشاهدها على الشاشة ولم تسمع منها كلمة عزاء من أمٍّ إخوانية، إلى أمٍّ ثكلى!
أشكرُ اللهَ أننى اعتذرت عن دعوة البرنامج لأناظر الأخت التى تزعم أنها: «قائدة المرأة المسلمة فى مصر والعالم العربى، لأننى لا أمتلك هدوء الأستاذة عزة كمال، التى بمجرد أن قالت لها إنها أسوأ برلمانية نسفت مكاسب المرأة التى كافحنا من أجلها، حتى هبّت أم أيمن وهربت من المواجهة بعد سيل من التطاول العاجز. لم يكن بوسعى تكرار التجربة التعسة بعد سجالى معها العام الماضى مع طونى خليفة فى برنامج «أجرأ كلام». واجهتُها بآراء عرّابهم «حسن البنا» المهينة فى المرأة، فواجهتنى بابتسامتها الشهيرة التى كشفت جهلها بآراء الرجل الذى يقاتلون العالم من أجله!
أم أيمن شأنها شأن كلّ إخوانى يعيش حالاً من «الإنكار»، تصيب المهزومَ الذى يرفض تصديق الواقع، فيعيش زيفًا من صنع خياله، ويصدّره للناس. تحيةً لأم الشهيد، وشكرًا للسماء التى نجّتنا من تلك الوجوه التى تبتسمُ فى المصائب!


المقــال الاصـــلي

نهال عهدي تكتب : مأزق السيسى

 لست من الذين أحبطهم عدم استخدام الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، التفويض الذى طلبه ومنحه له ملايين المصريين فى يوم ٢٦ يوليو الماضى -وكنت واحدة ممن منحوه هذا التفويض- لمواجهة الإرهاب فى سيناء وفض اعتصامى رابعة والنهضة!
لم أغضب من السيسى ولم أشعر أنه خذلنى ولم تهتز صورته فى عينى ولم أفقد للحظة احترامى له، بل زاد هذا الاحترام، لأنه لم يُغْرِه هذا التأييد الكبير، واندفع لفض الاعتصامين بالقوة دون النظر إلى حجم الخسائر الكبيرة وأهمها دماء المصريين أياً كانت انتماءاتهم!!
أعرف أن رأيى هذا قد يُغضب الكثيرين الذين ضاقوا بما يفعله الإخوان من افتعال للصدام وكأنهم يبحثون عن مزيد من الضحايا يساعدهم فى موقفهم الضعيف فى مواجهة واقع شعبى تدعمه مؤسسات الدولة القوية، وواقع دولى متأرجح ويتجه إلى التعامل مع الواقع بعد فشل كل وسائل الضغط السياسية والاقتصادية.
عندما خرجت فى تظاهرات التفويض كنت أعرف أن السيسى يواجه ضغوطاً دولية، بعضها بسبب التضليل الإعلامى الدولى والبعض الآخر بسبب تعارض ما حدث مع المصالح العالمية وتقييم بعض الدول لما حدث على أنه انقلاب وليس ثورة شعبية، فأراد القائد العسكرى أن يقول لهم بالصوت والصورة: ها هى الملايين من الشعب المصرى تخرج من كل صوب من الأرض الطيبة لتؤكد أنى ما فعلت إلا ما طلبته ونادت به فلبيت النداء.. أيضاً رصدت الأجهزة الأمنية تحركات إخوانية كانت تهدف إلى إثارة حالة من الفوضى، بقطع الطرق والهجوم على مؤسسات عسكرية ومدنية حتى لو أدت إلى المواجهة مع الجيش والشرطة، وسقوط مئات أو آلاف الضحايا، وكان الحل الأمثل هو هذا الخروج الكبير الذى ردع قادة الجماعة وحقن الدماء.
هل يعنى هذا أن التفويض لم يكن لمواجهة الإرهاب وفض الاعتصامين؟ فى اعتقادى أن التفويض قائم، جزء يتم منه الآن فى سيناء، ولا تعلن كل التفاصيل لحماية العمليات العسكرية، إذن يبقى قرار فض الاعتصامين، الذى أتفهم تأجيله وإن كنت أثق أنه سيحدث قريباً سواء بالحوار وانصراف المعتصمين أو بالقانون الذى يلزم أجهزة الأمن بفض الاعتصامات التى تهدد حياة المواطنين، وتحرض على العنف وتعذب المحتجزين وتخفى الأسلحة وتعتدى وتشتبك مع أجهزة الأمن!
أتفهم أن السيسى يعرف جيداً أن الإخوان يتمنون أن يفض اعتصاماتهم بالقوة ويسقط آلاف الضحايا من النساء والأطفال الذين يستخدمونهم كدروع بشرية، ليخرجوا على العالم فى صورة المضطهد البرىء فى مواجهة قمع أمنى باطش، أيضاً ولأننا شعب عاطفى لا يقبل ولا يحب العنف والموت قد ينضم الكثير من الغاضبين إلى المعتصمين ويزداد الموقف تعقيداً.
نحن لا نتمنى موت مصرى واحد، لذا يجب علينا تحية السيسى لحرصه على دماء المصريين ولنترك له ولقادة البلاد الفرصة الكافية من الوقت لاتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب دون ضغوط، وندعو الله أن يستجيب قادة الإخوان لأصوات العقل وينسحبوا من الميادين حماية لدماء المصريين ولجيش مصر، فمصر قبل وبعد الجماعة، هذا إذا بقى من الجماعة شىء!!

المقــال الاصــلي

جمال فهمي يكتب : أطفال وأنطاع وأكفان

Written By Unknown on الأحد | 4.8.13

■ مفهوم أن يلوذ عواجيز التجارة فى الدين وكذلك حفنة الصراصير البيضاء الخارجة من شقوق كهف جماعة الشر السرية بالخرس التام، فلا نسمع لأحد منها حسًا ولا تعليقًا على جرائم علنية متنوعة ومتفوقة فى الخسة والبشاعة ترتكبها قطعان الجماعة يوميا فى طرقات الوطن وساحاته من سيناء إلى قلب القاهرة، تلك التى لا تبدأ بترويع المصريين الآمنين وتخريب المرافق والحدائق والممتلكات العامة والخاصة، ولا تنتهى بالقتل والتعذيب فى سلخانات نصبوها على قارعة الطريق.. ومفهوم كذلك أن التجاهل والصمت والعمى عن رؤية أفعال مجنونة وارتكابات متوحشة يندى لها الجبين، هى من الواجبات والالتزامات التى يفرضها عقد «سبوبة» الرزق الحرام بالعملة الصعبة.
لكن ما ليس مفهوما بالمرة، بل ويثير فى النفس خليطا من مشاعر الدهشة والقرف أن جوقة المساكين فى عقولهم المتعالين بجهالة على خلق الله وتراهم يمشون فى الأرض مرحا وغرورا وهم يرفلون فى أسمال مظاهر التحضر والعقلانية على الطريقة الغربية، هؤلاء هم أيضا قطعوا ألسنتهم ولم ينبث نطع واحد (أو نطعة) بكلمة تعبر عن أى شعور بالتقزز والغضب من تلك الصورة المشينة التى أظهرت أطفالا صغارا فى عمر الزهور وقد رصصتهم قيادة عصابة الأشرار القتلة وسيرتهم فى الشوارع تحت سياط لهيب شمس لا ترحم، وحملتهم أكفان الموت الملوثة بصورة «المرسى» المعزول، فى إشارة بليغة إلى نوع المصير الأسود الذى كان ينتظرنا لو لم يتحرك الشعب المصرى بسرعة ويخرج هذا الخروج الأسطورى لكى يزيل خطره ويقوض حكم عصابته الفاشية ويرمى ذكريات أيامها السوداء فى مزبلة تاريخه العريق.
أسأل إخوانا هؤلاء المتأنقين بمسوح التحضر الكاذب وادعاءات الحكمة النصابة، هل هذه الصورة القميئة المروعة لأطفال انتهك المجرمون غضاضتهم وشوهوا براءتهم بأكفان الموتى، هى مما يتماشى، ليس مع مبادئ وقيم التحضر والترقى الإنسانيين، وإنما مع معايير ومقاييس الأناقة و«الشياكة» المستوردة من الغرب؟! أسأل وأنا أعرف أن الإجابة مزيد من ضجيج الخرس!!
■ كثير من شبابنا يبثون عبر نوافذ التواصل الاجتماعى الإلكترونية هذه الأيام، اقتراحا قيما ووجيها يقضى بتحويل الأخ «مرسى» جماعة الشر القابع حاليا فى محبسه الفخم إلى مزار سياحى ترفيهى للسواح الخواجات الراغبين فى التمتع بالفرجة عليه.. عن نفسى أوافق على هذا الاقتراح وأضيف إليه أن المكان المناسب لعرض هذا المرسى النادر ربما يكون متحف التاريخ الطبيعى، على أساس أنه أول «مرسى» فاشى منتخب فى تاريخنا وتاريخ العالم قاطبة، أنفق كل أيامه السعيدة فى قصر الحكم وهو يعلف أنطاع جماعته الجوعى المسعورين «كبابا وكفتة وجمبرى» من دون حسيب ولا رقيب، كما أنه أول «ذراع رئاسية» لعصابة فاشية سرية فى هذه الدنيا الواسعة يتفجر منه الغباء ذكاء فجأة كده فيطلق فى فضاء العبط والجنان الرسمى هذا السؤال الوجودى الفلسفى العميق جدا: القرد إذا مات، فماذا بحق الله يفعل القرادتى؟!
أما تحفظى الوحيد على الاقتراح فهو أن يأخذنا الحماس ونحن ننفذه فننسى تحذير زوار التحفة «المرسية» الثمينة بخطورة اصطحاب الأطفال، وضعاف القلوب والمصابين بداء «الربو» المزمن..

المقــال الاصــلي

إبراهيم عيسى يكتب : عن أمريكا التى هى شيكا بيكا


أن تغور السفيرة الأمريكية آن باترسون فى ستين داهية فهذا أمر مهم ومطلوب، وكويس جدًّا أننا لم نطردها ولم نصنع أزمة دبلوماسية..
فهذه السيدة عدو للشعب المصرى وتمثل أحقر ما فى السياسة الأمريكية من تصهين ورغبة فى إضعاف مصر وكراهية لاستقلالها الوطنى وتآمر على الأمة العربية كلها من خلال صفقة باترسون الوضيعة مع الإخوان لبيع قرار مصر للأمريكان وصياغة إسلام إخوانى-أمريكانى يخدم إسرائيل ويمزق المسلمين..
لكن أن تفكر الإدارة الأمريكية بعد رحيل الشمطاء نهاية الشهر الحالى فى تعيين روبرت فورد سفير أمريكا فى سوريا لخلافتها فى مصر، فهذا عين المسخرة.
إذا كانت باترسون قد فشلت فى تطبيق السيناريو الباكستانى فى مصر حيث حكم خدام للبيت الأبيض وجيش تابع للبنتاجون، فهل تحاول أمريكا أن تطبق سيناريو سوريا من انشقاق جنود وانتشار عصابات مسلحة وقضم للبلاد وتفتيت للسلطة المركزية وتدمير منظم للبلاد فى مصر فتأتى بسفيرها هناك للقاهرة؟
من حق المصريين أن يرفضوا هذا السفير الجديد، ومن حقهم أن يعتبروا أوباما واحدا من الرؤساء الأغبياء فى التعامل مع مصر، إذ يصمم على أن نكرهه ونمقته ويسىء إلى أمريكا لدى شعب أعظم وأهم وأكبر دولة عربية.
له حق الشعب المصرى إذ لم يطمئن أبدا لأمريكا لأنها أمريكا شيكا بيكا.. ثم إنها أمريكا يا ويكا.. ولا معنى للجملتين رغم أنهما من أكثر ما يقوله المصريون عن أمريكا، لا يوجد قطعا معنى قاطع فى مفرداته، لكن توجد دلالة ولا شك، وربما هى السخرية حينًا أو التعجب حينا آخر. وفى طرق ومرور وشوارع مصر التى لا علاقة لها بشوارع أمريكا هناك قائدو سيارات كثيرون وبخاصة بين الشباب ينطلقون بسياراتهم من حالة الوقوف إلى الحركة بطريقة صاخبة عنيفة نطلق عليها «أمريكانى»، ويبدو أنها نموذج لفهم العقل المصرى لأمريكا باعتبارها مجتمعا صاخبا وعنيفا، لكن هناك ما لا نستطيع أن نفهم لماذا هو أمريكانى فى مصر، من ذلك الدومينو، لكنها على العموم طريقة تتطلب ذهنا يقظا وعقلية حسابية واعية، وربما المعنى الوحيد فى ارتباطها بأمريكا هنا هو «البزنس» فى الحساب. لكننى أعرف وأفهم ماذا يقصد المصريون فى أفراحهم أو أعياد ميلادهم حين يتطفل طفل، أو شخص غريب، ويريد أن يتم تصويره مع العائلة، ساعتها يبتسم أحد أبناء العائلة للمصور وهو يقول له همسا أو علنًا «أمريكانى»، عندها يطلق المصور فلاش الكاميرا بإضاءة عالية دون أن يلتقط الصور، وهذا طبعًا معناه أن «الأمريكانى» هنا نصَّاب.

المقــال الاصــلي

نشوى الحوفى تكتب : بنت كرمان.. وإخوانها وأخواتها


فجأة قررت بنت كرمان اليمنية ترك بلادها وراء ظهرها، والتخلى عن بيتها وأبنائها وحكم اليمن السعيد -الذى لا زال غارقاً فى القات وخدره اللعين وكأن ثورة لم تقم لديهم- لتأتى إلى مصر معلنة الجهاد مع إخوانها وأخواتها من على منصة رابعة العدوية، ها هى تسرسع بصوتها الذى يذكرنى بفحيح الأفاعى، تحاول إيقاظ الحماسة التى فقدت معناها بين معتصمين يعلمون كذب قادتهم عليهم اليوم تلو الآخر ولكنهم يُمنون أنفسهم بأن مرسيهم قد يعود. هلمى يا بنت كرمان «سرسعى وسرسعى» واكشفى عن وجهك يا ابنة إخوان اليمن، عفواً أو ليس أبوك هو عبدالسلام كرمان الإخوانى العتيد الذى أورثك علاقاته بالأمريكان، فبت مسئولة عن إحدى المنظمات التى تتدرب وتحصل على المعونات من خزانة العم سام؟ يا الله على هذه الحياة التى تمنحنا بين الحين والآخر فرصة تجميع قطع البازل الصغيرة لندرك أن الصورة فى النهاية دوماً، يظهر بها وجه والى عكا القبيح الخائن العميل، وهكذا هى توكل كرمان التى لفتت الأنظار لها فى ثورة اليمن لا بجهادها ولكن بظهورها الدائم على شاشات التلفاز، تقدم نفسها كثورية مناضلة تحشد وتحتفل بثورة لم تنجح سوى فى إزاحة على عبدالله صالح. وتندهش حينما يتم ترشيح الأخت كرمان لنيل جائزة نوبل ومعها أسماء محفوظ وإسراء عبدالفتاح المصريتان!! أصدقكم القول أننى يومها فقدت ثقتى فى تلك الجائزة وما عادت تعنينى لا من قريب ولا من بعيد. وتكمل اليمنية المعجزة خطواتها المناضلة، فتحصل -هكذا بقدرة قادر- على جواز سفر تركى يتيح لها الدخول والخروج كمواطنة أينما ووقتما شاءت، ثم تصبح الولايات المتحدة الوطن الثانى «لميسز توكل» فتراها فى لقطات مع كبار الشخصيات الأمريكية، وتمنحها مجلة «التايم» الأمريكية المرتبة الأولى لأكثر النساء ثورية فى التاريخ!!! يا لهوى!!! وكأن ميسز توكل قد منحت يمنها التعيس، يا ولداه، الحرية والديمقراطية!! والحقيقة أنه ما زال قابعاً فى فقره وقاته، غارقاً فى الإرهاب وسيظل، طالما فيه أشباه ابنة كرمان. لا تعنينى تلك المرأة فى قليل أو كثير فهى كمن تنتمى لهم بلا عهد ولا دين سوى المصلحة الخاصة بهم. ولكن ما يعنينى هو بلادنا التى أدرك حجم ما تمر به من مؤامرات أجهزة المخابرات فى عواصم ألمانيا وأمريكا وجينيف ولندن -ميسز توكل إحداها- فى محاولة لجرها للسقوط فى مستنقع الإخوان ومؤيديهم، بأموال تُساق مباشرة لمنصة رابعة عبر وسطاء فى القاهرة تارة، ورسم خطط شل الطرق وقطعها ومهاجمة قوات الشرطة والمدنيين تارة أخرى، بهدف الضغط على الجيش واستفزازه وإحراج موقفه أمام المجتمع الدولى، وهو بعد صامت رابط الجأش رغم تفويض الملايين له بالتصرف واتخاذ اللازم. أثق فى قيادات الجيش وامتلاكهم لاستراتيجية التوقيت ومحاولتهم إثبات أنه ليس البادئ بالاعتداء، فى محاولة لكسب تأييد الغرب وتهدئة الموقف الدولى المتأجج بعد سقوط مرسى، أول جاسوس مدنى منتخب، وتداعيات ذلك على خططهم للمنطقة كلها، ولكن صدقونى يا سادة.. فلن ترضى عنكم أمريكا والغرب حتى تتبعوا ملّتهم، وتكونوا خادمين لهم ولخططهم، فاتخذوا قراراتكم دون تردد فأنتم تملكون تفويضاً شعبياً سطرته الملايين بحناجرها التى دوت فى أرجاء مصر، تردد نشيدها الوطنى مترنماً مع صوت أجراس كنائسها وأذان مغربها، دافعوا عن سيادة بلادكم فأنتم الأعلون لأنكم تمتلكون الحق والأرض والتاريخ، ومن قبلها تأييد الشعب. احسموا أمركم قبل أن تجدوا أنفسكم فى دائرة التدويل التى يجرنا لها الغرب المتآمر بمساعدة أعوانه من الإخوان وأشباه توكل كرمان وهم فى بلادنا كُثرُ، فلا تصغوا إليهم ولا لدعواتهم الخبيثة بالتريث بدعوى أن المعتصمين فى رابعة والنهضة سلميون، وهو محض افتراء. واصلوا ما بدأناه بقوة واطلبوا المجد على الأرض، فإن هى ضاقت فاطلبوه فى السماء.

المقــال الاصــلي

جهاد الخازن يكتب : المشكلة مع الاخوان

Written By Unknown on السبت | 3.8.13

 اتهم أنصار الإخوان المسلمين في مصر بتقديم الولاء للجماعة على الولاء للوطن، وبريد القراء يضم معارضين للإخوان يؤيدون ما أكتب وأنصاراً يتحدثون عن كل شيء سوى مادة الموضوع.
الأرقام لا تكذب وهي تقول إن الإخوان المسلمين في الحكم فشلوا على كل صعيد وزادوا الأزمة الاقتصادية أضعافاً. بماذا يرد أنصار الإخوان على هذا الكلام الصحيح؟
يقولون إن محمد مرسي أول رئيس مدني جاء إلى الحكم في مصر عبر انتخابات ديموقراطية وأطاحه انقلاب عسكري.
أولاً، نتيجة الانتخابات مشكوك فيها، وهناك معلومات عن فوز الفريق أحمد شفيق وتفضيل المجلس العسكري مرشح الإخوان لتجنب تظاهرات مليونية لا يقدر عليها مرشح مستقل.
ثانياً، ما حدث كان ثورة شعبية أكبر من ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، إلا أن أنصار الإخوان مصابون بعمى البصيرة إن لم يكن البصر، فلا واحد منهم أشار إلى الثورة الشعبية على محمد مرسي قبل تدخل العسكر لتجنب حرب أهلية.
ثالثاً، الاقتصاد في أيام حسني مبارك كان متقدماً وأضرّ به الفساد، وجاء الإخوان فحاربوا الاقتصاد وأبقوا على الفساد الذي لم يعد قصراً على الرموز بل أصبح من فوق إلى تحت وبالعكس.
رابعاً، في انتخابات 2010، وقبل ثورة الربيع العربي المزعومة، قلت للرئيس مبارك مرتين في هذه الزاوية إن الانتخابات «غير صحيحة» لأن الإخوان لم يفوزوا بأي مقاعد، وقلت له في مرة ثالثة إن الانتخابات مزورة. وعندما سقط حكم الإخوان قلت إن لهم شعبية كبيرة في مصر والديموقراطية لا تستحق اسمها إذا لم تشمل الجميع، وطالبت بدور لهم في مستقبل مصر.
القراءة الانتقائية والمواقف المسبقة والعزة بالإثم تدين صاحبها.
بعض المعارضة السورية في سوء ما سبق أو أسوأ، وأكتب عن «بطش النظام وانقسام المعارضة» وأجد من يفهم هذا الكلام الواضح على أنه انتصار للنظام الذي لم أجر معه أي اتصال على الإطلاق منذ خريف 2010.
أحد المعارضين وجد زاوية جديدة للانتقاد فقد كتبت انتصاراً للصحف الورقية، وقلت إن أسعد ساعات النهار عندي أن أقرأ «الحياة» في الصباح وأنا في السرير وأشرب القهوة.
الموضوع كله كان عن الصحافة الورقية إلا أن القارئ خرج منه ليطلب من الكتاب والمثقفين أن «يتنازلوا» ويكتبوا عما تعانيه الشعوب العربية، بدل معاناتهم من عدم قراءة الجريدة ورشف القهوة.
تحدثت عن نفسي لا عن أي معاناة لأنني لا أزال أقرأ الجريدة في السرير صباحاً، وأنا لا أمثل الكتاب والمثقفين، وأقول إن الموضوع كان عن الصحافة الورقية فكيف أُقحم سورية أو غيرها فيه، ثم إذا كان الأمر يقتصر على رشف القهوة فأنا أتعهد بالامتناع عنها، بل سأمنع دخولها بيتي، إذا كان هذا ينهي معاناة أهل سورية.
كانت هناك رسائل أخرى أثارت نقاطاً مهمة، مثل هجومي على الليكوديين الأميركيين وحملاتهم على الإسلام، وقارئان رأيا أنني أضيع وقتي. الواقع أن المقالات تترجم إلى الإنكليزية، وهم يقرأونها بالعربية إذا لم تترجم. وأهاجَم يوماً بعد يوم وأُتَّهَم باللاسامية إلا أنني تدربت على الصحافة في لندن، وأعرف حدود قانون القدح والذم، فلو أنني كتبت شيئاً لا سامياً لرفعت عليّ قضايا كما حدث مع غيري.
على هامش ما سبق سألني قراء عن العهدة النبوية لأهل نجران والعهدة العمرية للمسيحيين في القدس، والعهدتان موجودتان في مراجع إسلامية كثيرة، وأرجح أنهما على الإنترنت أيضاً. وقد سبق أن تحدثت عنهما بتفصيل فلا أريد أن أكرر ما سبق نشره، ولكن أقول إنهما ضمنتا حقوق الأقلية وسط الأكثرية المسلمة، بشكل أراه أفضل من اتفاقات جنيف عن الحروب وأسرى الحرب.
يكفي أن اسجل اليوم أن الفاروق عمر سلم مفتاح كنيسة القيامة، وهي أهم أثر مسيحي في العالم، إلى صحابي مرافق، والمفتاح الآن مع أسرة نسيبة المسلمة، وأحد أعضائها يفتح باب الكنيسة للمصلين صباحاً ويغلقه مساء حتى اليوم.

المقال الاصــلي

سعد الدين ابراهيم يكتب : الجماعة من المحظورة إلى المغرورة إلى المذعورة!

 الجماعة المقصودة هنا هى الإخوان المسلمون، والتى مرت بعدة أطوار منذ نشأتها على يد مُعلم فى إحدى ثانويات الإسماعيلية، عام 1928، وهو حسن عبدالرحمن البنا.
وفى سنواتها العشر الأولى كانت الجماعة «دعوية»، ركزت على مكارم الأخلاق والتبشير باستعادة «الدولة الراشدة»، كما كان الأمر فى عهد الخُلفاء الراشدين (632 - 661 ميلادية)، بعد صدمة سقوط الإمبراطوريات الإسلامية، وهى الدولة العثمانية (1400 - 1924م).
ومع ازدياد شعبية فكرة حسن البنا فى بعث الخلافة، دخلت جماعة الإخوان المسلمين طورها الثانى، وهو العمل السياسى المُباشر ـ أى مُحاولة المُشاركة فى السُلطة (1938 - 1949) أو التأثير فيها. ولجأت فى ذلك إلى العُنف والاغتيالات السياسية. وكان أكثر هذه الأخيرة صخباً هو اغتيال الجماعة للمستشار أحمد الخازندار (1949)، لصدور أحكام قضائية مُشددة من الدائرة التى كان يرأسها ضد المتهمين بحوادث العُنف من الإخوان المسلمين، وكذا اغتيالهم رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، وهو محمود فهمى النقراشى باشا، وهو ما أدى إلى حل الجماعة ومُحاكمة عدد من نشطائهم وإيداعهم السجون، وهو ما يعتبره الإخوان فى أدبياتهم «المحنة الأولى» (1948 - 1952). ودارت الأيام، وقامت ثورة 1952 ضد الملك فاروق والنظام الملكى، بقيادة محمد نجيب وجمال عبدالناصر. وكانت مُقاطعة مع الإخوان، فأفرجت عن سُجنائهم، وأفسحت لهم الطريق ليكونوا شُركاء، لكن الإخوان كانوا يُريدون اختطاف ثورة يوليو لحسابهم. ولأن جمال عبدالناصر قاوم ذلك، فقد قرروا اغتياله عام 1954، ومع فشل المحاولة والقبض على الضالعين فيها ومحاكمتهم وإيداعهم السجون بالمئات، أطلق الإخوان على تلك الأحداث اصطلاح «المحنة الثانية»، ومرت السنون، ولم يتخل الإخوان عن محاولة اغتيال عبدالناصر، ولا عن محاولة الاستيلاء على السُلطة لتحقيق حلمهم، وهو إقامة دولة الخلافة. وكانت المُحاولة الثانية لاغتيال عبدالناصر فى عام 1965، وفشلت تلك المحاولة بدورها، وتم القبض على الضالعين فيها ومئات غيرهم من زُعماء الجماعة وكوادرها، وحُكم على عدد من زُعمائهم بالإعدام، منهم أحد أكبر مُفكريهم وهو سيد قُطب، صاحب كتاب «معالم فى الطريق» الذى أفتى بتكفير الدولة والمجتمع، وبضرورة الجهاد لتخليص المسلمين والبشرية منهم، وإقامة الدولة المؤمنة ـ الراشدة.
ورغم أن سيد قطب كان أحد الذين قُبض عليهم وتمت محاكمتهم وإعدامهم عام 1966، فإن أفكاره حول جاهلية الدولة والمجتمع أصبحت دستوراً لكل الجماعات والحركات الجهادية المتشددة، خلال العقود الخمسة التالية. وأَخْذ الأجيال المُتتالية بهذه الأفكار القطبية وما يترتب عليها من الصِدام المُسَلَّح مع الدولة هو أحد أسباب الاحتقان الذى تشهده مصر هذه الأيام، والذى يعتبر المُعتصمون فى ميدان رابعة العدوية أحد تجلياته. كما تعتبر مُحاولة شباب المعتصمين الهجوم على مقر الحرس الجمهورى، فى مُحاولة البحث عن أحد زُعمائهم وهو د. محمد مرسى، رئيس الجمهورية السابق، وسقوط عشرات القتلى والجرحى، هى آخر تجليات هذا الفكر الإخوانى ـ القطبى المُتشدد، الذى يعتنقه هؤلاء الشباب.
وصدق المُفكر الإسلامى الراحل جمال البنا فى مقولته: «إن الإخوان المسلمين مثل أسرة البوربون الملكية فى فرنسا، لا ينسون شيئاً، ولا يتعلمون شيئاً، فهم يُكررون نفس الأخطاء، ويدفعون نفس الثمن!» وها هم يمرون بما سيسمونه «المحنة الرابعة»، فمحاولة إسقاطهم الدولة المصرية الحديثة ستبوء قطعاً بالفشل، ففضلاً عن أن مؤسسة الدولة هى أقدم كيان فى وادى النيل، منذ وحّد الفرعون نارمر، (مينا)، الوجهين القبلى والبحرى، قبل ستة آلاف سنة، فإن آخر تجلياتها هو الدولة العصرية الحديثة التى أسسها محمد على باشا، (1805). وساهمت خمسة أجيال مصرية مُتتالية فى تكريسها، وفى بناء مجتمع حديث يتوازى معها ويحميها، داخل نفس الحدود، التى تقع بين السودان جنوباً والبحر المتوسط شمالاً، وبين البحر الأحمر وسيناء شرقاً، والصحراء الغربية وليبيا غرباً.
أما الذى يُريده الإخوان فهو تقليص مصر هذه التى عرفناها إلى «إمارة» فى دولة الخِلافة المخلوفة، والتى تمتد فى خيالهم من إندونيسيا شرقاً إلى نيجيريا غرباً، وهى مساحة تمتد عبر قارتين (آسيا وأفريقيا) وأربعة بحار (بحر العرب، والبحر الأحمر، والبحر الأسود، والبحر الأبيض) ومُحيطين (الهندى والأطلنطى)، وتشغلها ستون دولة، كل منها ذات سيادة، وهى جميعاً أعضاء فى الأمم المتحدة، وفى منظمات إقليمية أخرى ـ مثل الأسيان، ومنظمة المؤتمر الإسلامى، والوحدة الأفريقية، والجامعة العربية. ولا نعتقد أن معظم هذه الدول ستقبل طواعية التخلى عن سيادتها، والذوبان فى كيان أكبر، وهو «دولة الخلافة» المزعومة!
إن جماعة الإخوان المسلمين التى تتبنى هذا المُخطط الإمبراطورى تبحث عن «فردوس مفقود»، وهو دولة الخلافة الراشدة، التى لم يتجاوز عمرها أربعين عاماً، والتى نُسجت حولها الأساطير، من حيث العظمة والعدل والقوة. وينسى أو يتناسى من يُرددون أسطورة دولة الخلافة الراشدة أن ثلاثة من هؤلاء الخُلفاء ماتوا قتلاً أو اغتيالاً بأيدى مسلمين آخرين، لأسباب دنيوية، وهى الصِراع على السُلطة والثروة. وربما يذكر الذين درسوا «الفتنة الكُبرى»، أى الصِراع بين على بن أبى طالب، ابن عم الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، ومُعاوية بن أبى سُفيان، حينما أوشك أنصار «على» أن يهزموا أنصار «مُعاوية»، أن أحد أنصار هذا الأخير، (عمرو بن العاص)، لجأ إلى حيلة أوقف بها القتال، وهى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، واقتراح خلع كل من «على ومُعاوية»، درءاً لسفك دماء المسلمين، فلما فعل أنصار «على» ذلك وأوقفوا القتال، انقض عليهم أنصار «معاوية».
لقد كان ما حدث فى تلك المعركة بين «على ومعاوية» هو أول استخدام للدين فى السياسة، أى استخدام المُقدس، (القرآن الكريم)، من أجل مكسب دنيوى. وها نحن نرى، ويرى العالم معنا، نفس المشهد فى ميدان رابعة العدوية، حيث يعتصم عدة آلاف من الإخوان المسلمين، ترويجاً وتأييداً للدكتور محمد مرسى، كرئيس للجمهورية، فما أشبه اليوم بالبارحة!
وعلى الله قصد السبيل

المقــال الاصـــلي

سليمان جودة يكتب : جففوا منابع «رابعة»!

من المؤكد أن أجهزة الدولة تعرف المصادر التى تأتى منها الوجبات الغذائية إلى اعتصامى «رابعة والنهضة» كل يوم، وإذا لم تكن تعرف، فمن السهل جداً أن تعرف، وعندئذ، فإن فض هذا الاعتصام يبدأ من خارجه، بتجفيف هذه المنابع أولاً.
إن آلاف الوجبات التى يستهلكها المعتصمون هناك، تأتيهم من خارج الموقع، ولا تطلع لهم من تحت الأرض التى يعتصمون فوقها، ويبدو أن كثيرين منهم قد وجدوا متعة فى البقاء حيث هم، «ولماذا لا؟!» والطعام يذهب إليهم بلا جهد، وبلا ثمن، وأغلب الظن أن بين معتصمى الميدانين مئات من الغلابة، الذين استقروا فى المكان، ووجدوا فيه ملاذاً، لأسباب اقتصادية بحتة، لا علاقة لها بالسياسة، ولا بمرسى المعزول، ولا بالإخوان، ولا بشىء من هذا أبداً، وإنما لأن كل واحد فيهم يبحث عن وجبة مجانية يومية، وهو الشىء الذى يجده هناك بسهولة.. فينام ويقوم بين المعتصمين، وهو ضامن أن طعامه مضمون، وأنه سوف يأتيه، وهو جالس فى مكانه!
والغريب أن هؤلاء الذين يرسلون وجبات الطعام إلى رابعة أو إلى النهضة، فى كل صباح، لم يجرِّب أى واحد فيهم أن يرسل أبناءه ليشاركوا الموجودين اعتصامهم، وهو ما تفعله قيادات جماعة الإخوان بالضبط.. وإلا.. فهل ذهب إلى هناك أى من أبناء الأسماء الإخوانية إياها، التى تبث سمومها من على المنصة، المنصوبة فى الموقعين فى كل مساء؟!
لم يحدث أبداً، وهو ما يكشف لنا، أن هذه القيادات الإخوانية التى تعيش خارج الزمن، تستخدم شباباً بريئاً، كوقود فى معركتها الوهمية التى تتصور أنها تقودها مع الحكومة ومع الدولة ومع الجيش، فى حين أن معركتها الحقيقية مع الشعب نفسه، وهذا ما لا يريدون أن يروه، ويتعامون عنه فى كل لحظة!
باختصار.. فإن من حق الدولة فض هذا الاعتصام بأى طريقة، وإذا كان هناك من سوف يجادل فى هذا الحق للدولة، فإننا نسأله عن الطريقة التى فض بها «أردوجان» اعتصام ميدان «تقسيم» الشهير، فى بلده، مستخدماً الغاز ومدافع المياه، ثم أتى ليتباكى على الإخوان، دون خجل!
غير أننا نقول إن مدافع المياه وقنابل الغاز مرحلة ثانية تسبقها مرحلة تجفيف المنابع من بعيد، ليفارق الميدان كل الذين يعسكرون فيه من أجل الوجبة، ولا شىء غيرها، وعندها، سوف يتعرى موقف الإخوان، وسوف يقفون وحدهم، وسوف يتبين لهم، قبل أن يتبين لنا، أنهم عشرات، وربما مئات لا أكثر!
أما هؤلاء الذين يمولون الاعتصام بالطعام، فلا يجب منعهم من المنبع فقط، وإنما تجب محاسبتهم بقوة، لأنهم يؤذون بلداً بكامله، ويلحقون به أبلغ الضرر، بما يسربونه من مواد غذائية إلى أهل الكهف هؤلاء، فى «النهضة»، أو فى «رابعة»، متصورين أنهم يفعلون الخير، فى حين أنه شر خالص!


المقــال الاصـــلي

جهاد الزين يكتب : الجيش لم يعد يستطيع حُكْمَ مصر... يستطيع إنقاذَها فقط !


اختصار الاعتراض الشعبي والعسكري على "الإخوان المسلمين" بكونه نجاحاً لـِ"الفلول" يعكس عدم فهم فادحاً لحقيقة جوهرية بعد الثورة هي استحالة إدارة المؤسّسة العسكرية للدولة والمجتمع المصريّين بالمعايير القديمة.
واحدة من أكثر المقولات التعبوية المستخدَمة الآن لدى "جماعة الإخوان المسلمين" هي اعتبار تظاهرات 30 يونيو و 26 يوليو تغطيةً لعودة "نظام مبارك" أو "الفلول".
لا تحْمُلُ هذه المقولة فقط إهانةً للقوى الكثيرة الشبابية والمخضرمة التي ساهمت في ثورة "ميدان التحرير" الأولى، وبعضها(الشباب) أطلق شرارة تلك الثورة، بل تحمل أيضا فهْماً مغلوطا في العمق لديناميّة الوضع الجديد في مصر.
لا شك أن هناك بين معارضي "الإخوان" من يحملون أحقادَهم عليهم منذ إسقاط حكم حسني مبارك. لكن ما هي القيمة المستقبلية لهذه العناصر في سياق التحوّل والشرعية الجديدة لما بعد 25 يناير؟ إذا كان المقصود بـ"الفلول" قوى الدولة المصرية من عسكر وبيروقراطية فهذه تخطّت حكم عائلة مبارك وهي تعترض على النمط "الإخواني" وتشكّل جزءاً من ثقافة "علمانية" بمعنى غير دينية لإدارة شؤون الحكم والحياة العامة .
لكن ما هو أوسع من كلِّ ذلك في تظاهرات 30 يونيو و26 يوليو والذي ينبغي على أساسه قياسُ معنى واتجاهِ هذه التظاهرات هو التحالف الواسع الذي يعبِّر عن نفسه بتشكيلةٍ حيويّةٍ ومؤثّرة من قطاعات شبابية جديدة وقوى سياسية وثقافية واجتماعيّة واقتصادية.
أما فكرة الدفاع عن "المصالح" الكبرى التي تختزنها مقولة "الفلول" –وهي فكرة صحيحة- فتبدو ثانوية قياساً بالمصالح الكبرى المتنوّعة بين الليبراليّين والدينيّين والمتشكّلة بعد سقوط مبارك ناهيك عمّا أظهره حكمُ "الإخوان" من تأسيس لاحتكارات باعتبارهم يميناً دينيّا لا يحمل مشروعَ إعادةِ توزيعٍ للثروة المصرية على مستوى أسفل السُلّم الاجتماعي وإنما مشروعَ إعادة توزيعٍ وخلقٍ لمصالحَ قديمةٍ وجديدةٍ على مستوى البورجوازية ورجال الأعمال.
اختصار الاعتراض على "الإخوان" بكونه نجاحاً لـِ"الفلول" يعكس عدمَ فهْمٍ فادحاً لحقيقةٍ جوهريّةٍ بعد الثورة هي استحالة إدارة المؤسّسة العسكرية للدولة والمجتمع المصري بالمعايير القديمة. ومهما كان نفوذ العسكر قويّا حتى في دورها الراهن كمنقذةٍ للسلم الأهلي فإن الديناميّة الأساسيّة التي لا عودة فيها إلى الوراء هي الحكم المدني في مصر.
ليس جديدا أن تعتقد أو تنتقم قوى قديمة من "العهد البائد" بالانضمام إلى إقصاء إحدى القوى الجديدة. سنوات ما بين 1952 و1954 بعد انقلاب 23 يوليو كانت مليئةً بمناورات رجال وقوى من العهد الملكي السابق كانوا يعتقدون بإمكان إعادة قواعد اللعبة السابقة. في الثورة الفرنسية وبمدد زمنية أطول وأعنف "عاد" العهد الملكي البوربوني وثبت لاحقا أن لا عودة إلى الوراء. في عراق ما بعد 2003 جاء سليل من الأسرة الهاشميّة الحاكمة السابقة ولم يستطع العثور حتى على "مكان" سياسي له في بغداد فعاد إلى لندن. هكذا حصل على مستوى جدّي أكثر في أفغانستان فلم يتمكّن أحدٌ من إعادة تكريس الملك السابق على رغم كونه رجلا يحظى بالاحترام الداخلي والخارجي.
"الفلول" تبقى "فلولا" في الشكل أما في المضمون فتدخل رغما عنها في مشاريع سياسيّة جديدة وبقيادة غيرها.
سيكون هناك دائما وزنٌ رئيسيٌّ للمؤسسة العسكرية في مصر. هذه حقيقة اجتماعية واقتصادية وسياسية وتاريخيّة مصرية خصوصا أن الجيش يؤكّد حاليا هذا الرهان على دوره كمنقذ للمصير الوطني. لكن حجم حضور القوى المدنية في الشارع وبالتالي في التعبير السياسي في إطار المشروع الديموقراطي سيجعل من المستحيل لا اليوم ولا غدا إمكانَ حكمٍ عسكريٍّ وارداً في مصر. وليس من المجازفة بشيء حتى في الظروف الأمنية الراهنة المضطربة، القول أن أيَّ محاولةٍ في هذا الاتجاه (الحكم العسكري) ستكون ليس فقط قليلة الذكاء بل أيضا ستكون لعباً بالاستقرار الوطني بكامله.
هذا "اللّعِب" الخطِر هو ما يفعله "الإخوان المسلمون" في الواقع وليس الجيش. وإذا ثبُت أن الحرب الإرهابية القائمة بشكلٍ جدّي في سيناء ضد مراكز الجيش والشرطة تتم بتشجيع ضمني أو مباشر من قيادة "الإخوان المسلمين"- وهي شبهة عالية جدا بسبب تلازم الاعتصامات مع حرب سيناء- فهذا يجعل هذه الجماعة التي تستقطب أقلية مصرية كبيرة حتى اليوم موضعَ مساءلةٍ ليست التهمة فيها أقلَّ من الخيانة العظمى. فلا سابق في التاريخ المصري الحديث لمواجهة مع "الدولة"، أيّاً يكن نظام الحكم، تعتمد القتل والتدمير ضد عناصرَ ومنشَآتِ الدولة المصرية. فكيف عندما يتعلّق الأمر باللعب بالسلم الأهلي نفسه بل بالسيادة الوطنية العزيزة جدا على المصريّين؟

المقــال الأصـلي

عادل درويش يكتب : المصريون أربكوا استراتيجية الغرب


في مؤتمرها الصحافي بالقاهرة انتقت كاثرين أشتون، ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كلماتها بعناية من يخطو على قشر البيض. لم تشر إلى محمد مرسي كرئيس، نافية حمل أفكار أوروبية، لأن الأمر «شأن داخلي بالمصريين»، معلنة استعدادها للعودة للقاهرة لتقديم أي تسهيلات إذا طلب المصريون دورا أوروبيا.
المبعوثة الأوروبية تدرك كيف لا ينظر المصريون بعين العطف لمن يدس أنفه في شؤونهم. قبل لقائها بالسيد مرسي، الذي عزل من منصبه الرئاسي نزولا على رغبة الغالبية الساحقة من ملايين المصريين، تباحثت مدام أشتون مع معظم القوى السياسية المصرية، بمن فيهم الإخوان.
وحسب مصدر أوروبي، فإن أهم رسالة تلقتها كانت من ممثلي أكبر تيار مؤثر اليوم في مصر، وهم أصغر الجميع سنا ولا يحترفون السياسة.. شباب حركة «تمرد» التي بدأوها بتقليد زعيم آخر ثورات الأمة المصرية الكبرى (قبل 25 يناير/ كانون الثاني) سعد زغلول باشا مؤسس الحقبة الديمقراطية البرلمانية الوحيدة في تاريخ مصر (1922- 1954). ومثل وفد سعد باشا، يحمل شباب «تمرد» تفويضا بتوقيع 23 مليون مصري، جمعوها قبل مسيرة 30 يونيو (حزيران) (التي تحولت لثورة تشبه 1919 باشتراك الصعيد والريف وربات البيوت).
«على الاتحاد الأوروبي الاعتراف بثورة 30 يونيو.. فليست انقلابا عسكريا تقليديا»، شرط قدمه الشباب للمدام أشتون، لقبولهم بأي دور لأوروبا.
لم تفصح أشتون عن تفاصيل حوار الساعتين مع السيد مرسي، ولأنها بريطانية فحديثها «subtle» (لا ترجمة دقيقة لها، والأقرب عربيا التلميح لا التصريح)، فضروري ضم المفردات الدبلوماسية لإجاباتها المتناثرة للصحافيين لاستخلاص الرسالة (ومصادرنا من موقع اللقاء).
ذكر أشتون تفاصيل كفحصها «الفريدجيدير» (ثلاجة الطعام) ووصف غرفة الجلوس والتلفزيون ومجموعة الصحف، تلميح إلى تمتع السيد مرسي بحرية اختيار المأكل والمشرب والاطلاع والترفيه ومتابعة الأخبار بلا خضوع لروتين يومي (فهو محتجز بأمر النيابة رهن التحقيق لتقديمه للمحاكمة)، أي اتساق ملاحظاتها مع الموقف الرسمي المصري بتحديد إقامته في مكان آمن لسلامته الشخصية، وسلامة المجتمع (بريطانيا مثلا تحتجز أشخاصا، كحالة أبو حمزة المصري في السجن «ح» ولم يقترفوا مخالفة قانونية لكن إطلاق سراحهم يعني إلقاءهم الخطابة العلنية والتبشير بشعارات قدر متخصصو الأمن أنها ستثير الشغب، وتهدد سلامة المجتمع).
إجابة المدام أشتون برفضها حمل أي رسالة من السيد مرسي جاءت في سياق تعبيرها عن «move forward»، المضي للأمام، تحمل إشارتين: لم يعد مرسي رئيسا لنقل رسالته لبروكسل (حيث نصحته بقبول الحقائق الجديدة على الأرض)، والثانية أن القطار المصري غادر المحطة ومرسي وجماعته يقفون على رصيف لا تمر عليه قطارات. وإذا وضعنا شروط شباب «تمرد» في إطار حوار المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن النتيجة المستخلصة هي رفض أغلبية المصريين أي اقتراح بانضمام الإخوان إلى مشاورات الأطراف المصرية للحل قبل انتقالهم لرصيف تمر عليه قطارات مصر الجديدة. فالإخوان، لم يعطونا الإجابة المباشرة، حتى اليوم، على سؤال نطرحه منذ عودتهم للنشاط العلني قبل 35 عاما: أين تصريحهم الرسمي بمراجعة تاريخية revision لنشاطهم الإرهابي ما بين 1932 و1954 (ثم مؤامرة منتصف الستينات) من قنابل، وحرق القاهرة، واغتيال القضاة والساسة (كرئيس وزراء مصر لدخوله الحرب ضد ألمانيا النازية وقت تحالف الإخوان مع هتلر عبر مساهمة التنظيم العالمي في المجهود الحربي لجيشه)؟ لم يعتذر الإخوان للشعب المصري عن إرهاب الفترة ويتعهدون بعدم رفع السلاح في وجه بقية المصريين.
وعندما يطالع القارئ كلماتنا تكون أشتون، غالبا، قدمت تقريرها، حسب أمانتها وقدرتها على نقل الواقع وليس إرضاء لمزاج من أرسلوها بغرض إعادة الإخوان إلى مكان مؤثر في آليات صنع القرار السياسي المصري، بأجندتهم التي يراها محور لندن - واشنطن الأكثر أمنا لضمان المصالح حتى منتصف القرن.
خزانات التفكير، خاصة البريطانية والأميركية، رسمت تقديراتها على تحليلات ما قبل ثورة 2011 بأن جماعة الإخوان هي التنظيم السياسي الوحيد القادر على الاستيلاء على ثورة يطلقها الشباب.
ومن منطلق لا يخلو من عنجهية التفوق الغربي رأت مراكز الدراسات (ومتغلغل فيها أكاديميو الإخوان)، أن النموذج التركي هو «الديمقراطية» الأفضل لشعوب يرونها إسلامية والاحتفاظ بخيار «opt-out»، أي التهرب من الالتزام بمواد أساسية في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لـ«الخصوصية الثقافية للمسلمين»، ومعناها عمليا إنكار حق الفرد في حرية الاختيار، بعكس رفض الرئيس جورج بوش الابن (في وست بوينت 2002) نظرية الخصوصية الثقافية كـ«نوع من العنصرية يحرم العرب والمسلمين كل الحقوق الكاملة التي يطمح إليها أي مواطن أميركي».
دراسات أقنعت راسمي السياستين البريطانية والأميركية أن جماعة الإخوان المسلمين هي جسر الانتقال الطبيعي من أوتوقراطية دولة ما بعد الانقلاب العسكري (من 1952 في مصر والبلدان العربية والأفريقية التي قلد عسكرها الضباط الأحرار) إلى النموذج التركي كمرحلة نهائية.
ومن التجربة الإيرانية، قدر راسمو السياسة الغربية أن الإخوان سيسيطرون على مفاصل الدولة المصرية ومؤسساتها، وعندما تحل الانتخابات القادمة لن تتاح فرصة الترشيح لفرد أو تيار خارج مؤسسة الإخوان، أي الديمقراطية شكلا وديكتاتورية الإخوان جوهرا. ومن المفارقات أن اليسار الأوروبي يحتضن هذه النظرية. وسبب تسميتهم الثورة المصرية الأخيرة بانقلاب عسكري، هو ارتباك حسابات لندن وواشنطن وبروكسل بعد رسم خطط استراتيجية قدرت أن الإخوان كانوا سيحكمون مصر حتى منتصف القرن، لكن أكثر من ثلثي الشعب المصري على أقل تقدير عبر عن وجهة نظر أخرى في ثورة 30 يونيو.
اليوم هناك «paus» أو وقفة التقاط أنفاس في واشنطن ولندن، وخاصة أنه بعد أقل من 48 ساعة من نداء نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع، عبد الفتاح السيسي، خرج ملايين المصريين يوم 26 يوليو (تموز)، في إشارة واضحة للعالم إلى أن مجرد التلميح بالتدخل الغربي - وهو ما يسعى إليه الإخوان بتصعيد عمليات الإرهاب في سيناء، واستفزاز الجيش والبوليس وبقية الشعب المصري في المدن - يعني تعبئة عامة للجماهير للدفاع عن الأمة المصرية بجانب الجيش.

المقــال الاصــلي

آمال موسى تكتب : مأزق تونس!

Written By Unknown on الجمعة | 2.8.13


وصلت الأوضاع اليوم في تونس إلى مستوى يصح أن نصفه بالمأزق أو الأزمة الشائكة المتكونة من معوقات معقدة للغاية. فحتى ما كان قبل أشهر يعد حلا أصبح اليوم مشكلة مفتوحة على سيناريوهات عدة. وما يزيد في حالة التأزم مسألتان اثنتان، الأولى تراكم المؤشرات القوية التي تدل على أن الإرهاب تمكن من البلاد التونسية ودخل إليها من أكثر من بوابة. والمسألة الثانية هي ظاهرة الانقسام في صفوف النخبة وعامة الشعب بخصوص المطالبة بسقوط الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي.
طبعا، الانقسام الحاصل اليوم الذي يُوظف آليات احتجاجية مثل الاعتصام هو في جانب من جوانبه نتاج ظاهرة الإرهاب وتحديدا اغتيال الناشط السياسي والنائب محمد البراهمي. بل إنه السبب المباشر للانقسام الراهن باعتبار أن الاختلافات والخلافات ليس جديدة، وعبرت عنها التصريحات والبيانات والاحتجاجات، إلى أن وصلت اليوم إلى الشارع وتحديدا ساحة «باردو» مقر المجلس الوطني التأسيسي. ويأتي ذلك في إشارة واضحة وقوية إلى تراكم أخطاء النخبة الحاكمة وفشلها في تأمين الأمن بعد جريمة الاغتيال الأخيرة، حيث طالت الأولى المناضل شكري بلعيد قبل ستة أشهر. والمشكلة الكبرى أن المجموعة التي قتلت الأول ضالعة في قتل الثاني - محمد البراهمي - بما يعني أنها تنظيمات منظمة استفادت من حالة الفوضى وقلة الخبرة وتحصلت على ما يكفيها من السلاح والانتدابات والجحور مما يجعلها تنشط وتسجل أهدافا في الصميم وتراوغ أجهزة الدولة!
وقبل أن يمضي أسبوع واحد على اغتيال محمد البراهمي بطريقة سهلة ومستبيحة جدا (في الصباح وأمام بيته) يلقى ثمانية من عناصر الجيش التونسي حتفهم (قتلا بالرصاص مع ذبح بعضهم) في جبل الشعانبي الذي شهد أحداث الألغام المتفجرة على امتداد الأشهر الأخيرة.
الظاهر يقول إن الإرهاب الحامل لبصمة الجماعات المتشددة والتكفيرية قد غزا تونس، والواضح أن ما حصل إلى حد اليوم هو بداية لمرحلة مجهولة الخسائر. لذلك، فإن التواتر السريع للضربات الإرهابية في أقل من أسبوع واحد خلق حالة من الخوف الاجتماعي الجدي إزاء الإرهاب، وفي مقابل ذلك تدافع الحكومة عن جهودها في معالجة الأوضاع وعن شرعيتها.
فهل صحيح أن كل المعارضين للحكومة والمجلس الوطني التأسيسي المطالبين بحلهما وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، هم أقرب ما يكونون إلى الفوضى والعدمية والانتهازية السياسية أم أنها اتهامات تضليلية لا غير؟
في الحقيقة، يعد الوضع في تونس خلال هذه الأيام متأزما بأتم معنى الكلمة، ولا يحتمل المزايدات من الطرفين سواء الحاكم أو المعارض. ولكن في الوقت نفسه لا يجب أن ينسى الحاكمون أن من يحكم دائما يتحمل الخسارات، بدليل أن الحكم موصوف بالتكليف، وهو وصف قلة قليلة جدا من النخب السياسية في البلدان العربية تمعنت في معناه وتعمقت في مدلولاته.
زد على ذلك أن النخبة السياسية في تونس ارتكبت مجموعة من الأخطاء النوعية الفادحة، جعلت حتى مجهوداتها الإيجابية لا ترى كما يجب.
لقد أضاعت الترويكا منذ ستة أشهر بعد اغتيال الراحل شكري بلعيد فرصة تاريخية لم تعرف كيف تتعامل معها وتستثمرها، وهي إعلان رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي القيادي في حركة النهضة عن قراره، إما حل الحكومة وتكوين حكومة وحدة وطنية أو الاستقالة. ولكن الترويكا رفضت المبادرة وأجهضتها فاستقال الجبالي. ذلك الرفض لم يكن ذكاء سياسيا بالمرة، حيث كانت النهضة ستبقى في الصورة من خلال حمادي الجبالي الذي ازدادت شعبيته آنذاك، وفي الوقت نفسه ستؤكد بقبولها المبادرة حسها الوطني الذي يترفع عن التمسك بالحكم. لو تفاعلت إيجابيا مع تلك المبادرة لكانت قد خاضت حملة انتخابية مبكرة تفرض على الجميع تقدير حرصها على التوافق ونكران مصلحتها الحزبية الضيقة.لذلك، فإن الترويكا وتحديدا «النهضة» عملت من خلال العناد السياسي على الدخول في نهج العزل التدريجي، بدليل أن شعبيتها في تراجع ومشروعيتها في انحسار، والحال أنها لو سمحت لمبادرة حمادي الجبالي بالتجسيد لقطعت الطريق أمام ظاهرة الانقسام الراهنة، ولتمت معالجة ملف المعارضة التي تحولت إلى راديكالية في مستوى رفضها من خلال الانخراط في مطلب حكومة وحدة وطنية يتحمل فيها الجميع الفشل والمسؤولية ولا أحد يُزايد على أحد.
من ناحية ثانية، فإن المجلس الوطني التأسيسي الذي يشهد اليوم أصوتا تنادي بحله وأخرى مدافعة عن استمراريته، تبدو صورته عند الشعب، بمن فيهم المدافعون عنه لأسباب مبدئية أو حزبية صرفة، مهترئة. ففي هذا الإطار، نفهم لماذا انسحب منه قرابة السبعين نائبا، ولماذا اضطر رئيس المجلس قبل أسبوعين إلى رفع الجلسة بسبب غياب خمسين نائبا.
إن المطالبين بحل المجلس الوطني التأسيسي يستندون إلى ملف ثقيل من الأخطاء، أولها تجاوز المجلس المدة التي حددها منذ تأسيسه وهي سنة لكتابة الدستور، ثم المماطلة في تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات، وأيضا ظاهرة الغياب اللافتة للانتباه في صفوف النواب وصولا إلى التراشق ومشاهدة ما يضحك وما هو مؤسف تحت قبته.
لقد أدى تماطل النواب وعدم مسؤولية البعض منهم إلى عدم تحديد موعد انتخابي دقيق إلى حد اللحظة، ثم إلى إرهاق الحكومة وإضعاف شرعية الحكم، ومن ثم إضعاف البلاد وجعلها لقمة سائغة في فم الإرهابيين.
نعم تونس في ورطة، وحتى لو أقيمت حكومة إنقاذ وطنية وتم حل المجلس الوطني التأسيسي فإن ورطة تعشيش الإرهاب هي قلب الأزمة الحالية.

المقــال الاصلي

حسن نافعة يكتب : لو كنت مكان المرشد العام


لقمت على الفور بتوجيه الدعوة إلى أعضاء مكتب الإرشاد، أو إلى جميع القيادات الإخوانية التى لم يتم إلقاء القبض عليها أو اعتقالها وحبسها على ذمة قضايا سياسية أو جنائية مختلفة، لحضور اجتماع عاجل يخصص لمناقشة الوضع السياسى والأمنى المتأزم فى مصر، ولبذلت كل ما فى وسعى لمحاولة إقناع الحضور بضرورة اتخاذ قرار فورى بفض الاعتصام فى ميدانى «رابعة العدوية» و«النهضة»، فالقائد الشجاع هو من يستطيع أن يميز بين المعركة والحرب، ويعرف متى يتعين عليه الاعتراف بالهزيمة فى معركة، حتى يحتفظ لنفسه بالأمل فى كسب الحرب فى نهاية المطاف. وفى تقديرى أن إصرار الجماعة على التمسك باستراتيجية الحد الأقصى، واعتماد «سياسة حافة الهاوية» التى تصر على أن تكسب كل شىء، حتى ولو انطوى ذلك على خطر المغامرة بخسارة كل شىء، هو قرار بالانتحار سوف يؤدى لا محالة إلى تهديد كيان الجماعة ككل، وتعريضها لخطر التفكك والانهيار التام، لذا أعتقد أن الحكمة تقضى باتخاذ قرار شجاع بالانسحاب تكتيكياً من ميدان المعركة، كى تستطيع الجماعة بعد ذلك أن تضمد جراحها وأن تعيد تنظيم صفوفها، بعد مراجعة أخطائها وتصحيح سياساتها، استعداداً للجولة التالية.
كانت ثورة يناير قد أتاحت أمام جماعة الإخوان فرصة تاريخية ثمينة لتصبح هى رمانة الميزان فى النظام السياسى لمصر الجديدة، ولم يكن ذلك يتطلب من هذه الجماعة سوى أن تقنع بدور الشريك، للمساهمة مع القوى الأخرى التى فجرت الثورة أو ساهمت بدور كبير فى إنجاحها فى بناء نظام سياسى ديمقراطى يليق بمصر الجديدة، غير أن الإصرار على استبعاد وتهميش الآخرين، كى تنفرد وحدها بالهيمنة على مقاليد الدولة والمجتمع أفضى فى النهاية إلى تكتل جميع القوى ضدها، بما فيها تلك التى تمثلها شبكة المصالح المرتبطة بالنظام القديم، لتجد نفسها فى النهاية معزولة شعبيا ومحاصَرة فى ميدانى النهضة ورابعة العدوية، بعد أن خرجت من الحكم بثورة شعبية انحاز إليها الجيش وكل مؤسسات الدولة.
هناك تيار متطرف، داخل الجماعة، يطالب باستمرار الاعتصام، ويزين لها أن الصمود فى ميدانى النهضة ورابعة كفيل باستعادة التعاطف الشعبى، وبإقناع العالم بأن ما حدث هو انقلاب عسكرى مرفوض شعبيا، ومن ثم يتعين كسره وهزيمته، لكن هذا التيار يتغافل وجود تيار مماثل، لا يقل تطرفا، داخل النظام الحاكم فى مصر الآن، يرى أن إصرار الجماعة على الاستمرار فى اعتصامها فى ميدانى النهضة ورابعة إلى أن يعود مرسى إلى الكرسى يتيح فرصة ذهبية لاستئصالها تماما، وإنهاء وجودها بضربة واحدة، ويعتقد أن هناك تيارا شعبيا كبيرا معاديا للجماعة، ولا يمانع فى توجيه ضربة قاصمة لها، ويبدو أن مصر باتت الآن محشورة بين هذين التيارين المتطرفين.
لا أعتقد أن أياً من هذين التيارين المتطرفين، اللذين يصبان معاً فى اتجاه التصعيد والاستئصال المتبادل، سيخرج منتصرا من هذا الصدام الذى سيؤدى إلى إنهاك الجميع، وربما السقوط فى مستنقع العنف والعنف المضاد، فالإصرار على الصمود من جانب الإخوان، باستمرار الاعتصام فى ميدانى رابعة والنهضة، يقابله إصرار مماثل من جانب تيارات قوية، داخل النظام الحاكم، تطالب ليس فقط بإنهاء اعتصام الجماعة، حتى لو اضطرت أجهزة الدولة إلى استخدام القوة، وإنما أيضا بانتهاز الفرصة التى يتيحها عناد الجماعة لتوجيه ضربة قاصمة لها، وإخراجها نهائيا من المعادلة السياسية. وبينما تراهن الجماعة على لعب دور «الضحية»، كمخرج لها من المحنة التى سببتها لنفسها، يراهن الطرف الآخر على لعب دور «الجلاد»، كمخرج لتخليص المجتمع من ورم سرطانى يعتقد أنه لا حل له إلا بالجراحة والاستئصال. ولأننى أعتقد أن بحور الدم لن تؤدى إلا إلى تعقيد الأزمة أكثر بدلاً من حلها، أظن أن الحكمة تفرض على مرشد الإخوان وعلى مكتب الإرشاد أن يتخذا على الفور قراراً بفض الاعتصام طواعية، كما تقتضى من النظام الحاكم أن يمارس سياسة ضبط النفس، وألا يندفع وراء إغراء الاستخدام المفرط للقوة لفض أو إنهاء الاعتصام، لكن منذ متى كانت الحكمة نبراساً تهتدى به القوى السياسية؟
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه.

المقــال الأصــلي

راغدة درغام تكتب : عدوي يقظة مصر أصابت تونس


بدأت عدوى يقظة مصر الثانية بالانتقال إلى تونس حيث يبدو «الإخوان المسلمون» بقيادة راشد الغنوشي يكررون نموذج التمسك بأواصر السلطة الذي تبناه «الإخوان المسلمون» في مصر وبلغ «خطاً أحمر» يعد بالمواجهة. وها هي تونس التي أطلقت شرارة الانتفاضة الأولى لما سمي «الربيع العربي» تسير على خطوات مصر التي أطلقت إصلاح ما أسفرت عنه الثورة الأولى وذلك في انتفاضة ثانية تحمل في طياتها وعد اليقظة الدائمة وليس الاحتجاج العابر. هذه تطورات إيجابية مهما كانت صعبة وخطيرة. فالأخطر كان بالتأكيد في الرضوخ لإملاءات «الإخوان المسلمين» في السلطة التي لم يتقنوا أبداً ممارستها، ففشلوا. أثاروا النقمة على أساليبهم في الحكم والخوف من العيش في ظلهم وهم يمتلكون القرار – وهذه شهادة واضحة على فشل لربما هو الأسرع في تاريخ صعود حزب أو حركة إلى السلطة. تطورات مصر وتونس غطّت على الحدث السوري الذي يترنح بين المعارك الهادفة إلى السيطرة العسكرية وبين الاستعداد لمؤتمرات قد تفرض التنازلات السياسية. أما ما يحدث في العراق فإنه النار تحت الرماد بما يهدد بتنفيذ تقسيم العراق أو شرذمته، مع العلم أن رئيس الوزراء نوري المالكي لم يتقن الأداء في السلطة وساهم في توريط البلاد في صراع طائفي يُخشى أن يتحول دموياً بامتياز. لربما شبه الواحة في تطورات الساحة العربية هو تعهد الولايات المتحدة بإنجاز المفاوضات على الوضع النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين في غضون تسعة أشهر وسط تشاؤم يجعل سقف التوقعات منخفضاً ما قد يسنح الفرصة للمفاجآت. ولربما يأتي الدور الأميركي القيادي في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي ليكون الوحيد في مسيرة الامتناع التي يتبناها الرئيس باراك أوباما عن الانخراط في سورية والاضطرار إلى التنبه إلى ما يحدث في مصر وتونس لاحقاً. فالسبات ما زال سيد الساحة في ليبيا، فيما الإطلالة بين الحين والآخر على ما يحدث في لبنان لا تمثل أبداً دوراً قيادياً للولايات المتحدة. حتى الاتحاد الأوروبي جملة وتفصيلاً، مجموعة وأفراداً، يهرب إلى الأمام انتظاراً للقيادة الأميركية أو تذرعاً بغيابها. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، ذهبت إلى مصر جاهزة للاستطلاع وللتشديد على الديموقراطية بمفهومها الأوروبي وليس بمفهومها التاريخي والعصري من منطلق التجربة المصرية. لذلك، فإن الدور الأوروبي وكذلك الدور الأميركي في مسيرة الانتقالية العربية يتطلب تطويراً ينطلق من فهم عميق لليقظة العربية الجديدة.
الغرب متهم دائماً بالتخطيط المسبق للخريطة العربية، والسؤال الذي يطرح دائماً يدخل في فلك ماذا تريد الولايات المتحدة وماذا يريد الغرب. روسيا والصين جديدتان على هذه المعادلة في الفكر السائد عربياً. أن يقال إن كل ما يحدث في ساحة الشرق الأوسط هو تنفيذ لمخطط أميركي بالتأكيد سذاجة، بل هو تحقير لدور الفرد والمجتمع في الشرق الأوسط في صنع التاريخ. إنما من السذاجة أيضاً أن يقال إن لا دور للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الغربية في صنع التاريخ الحديث إلى اليوم، أو أن يقال إن روسيا والصين هامشيتان في رسم خريطة الشرق الأوسط اليوم.
فهذه المنطقة ليست منطقة مؤسسات. إنها ساحة الحكم، إما العسكري أو الثيوقراطي. وما يحدث اليوم هو معركة مصيرية من أجل الحكم المدني بمؤسسات. هذا هو التعريف الضروري للديموقراطية العصرية في منطقة الشرق الأوسط الذي يجدر بالذين يحاضرون باسم الديموقراطية الغربية أن يفهموه.
ما يحدث في تونس – قبل الحديث عن حدث مصر المصيري – هو أن حركة «النهضة» الإسلامية التي يترأسها راشد الغنوشي وتقود الائتلاف الحاكم في تونس تبدو مُدهَشة إزاء انهيار جبروت «الإخوان المسلمين» في بلد كمصر. الغنوشي اعتاد في السنتين الماضيتين أن يكون نجم المؤتمرات الدولية الساطع ووجه الاعتدال الإسلامي الذي تلقاه الغرب بشغف واحتضان وابتهاج. كان الغنوشي بقامته القصيرة وابتسامته شبه الدائمة يجتذب المعجبين به خارج تونس في الوقت الذي كان يمارس صلاحيات فوق العادة داخل تونس وهو يقبض على مفاصل السلطة عبر «النهضة» من مقر له تميّز بالترف والجاه مقارنة مع مقار الدولة.
اليوم يرد الغنوشي على مطالب الشعب والمعارضة وأفراد في حكومته بالإصلاح الجذري بلغة «الخط الأحمر» ويتحدث بلغة الشرعية لاحتواء الحلول المقترحة. قال: «نحن مع اعتبار المجلس الوطني التأسيسي خطاً أحمر لأنه أصل الشرعية، وما عدا ذلك نحن منفتحون على التوافق»، موضحاً أن حركته «مع الحوار، ومع الوحدة الوطنية، ومع التوافق».
اغتيال المعارض محمد البراهمي بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد هو الذي أطلق الصرخة لبدء التمرد على الحكم في تونس في عهد «النهضة». طالبت المعارضة بحل المجلس التأسيسي والمؤسسات المنبثقة عنه، إشارة إلى الحكومة والرئاسة، بعدما مارست «النهضة» الهيمنة على المجلس التأسيسي. هذا المجلس انبثق عن انتخابات 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2001 التي فازت بها «النهضة» الإسلامية بـ89 مقعداً وهيمنت عليه عبر تحالفات مع حزبين آخرين. الأحزاب المعارضة تقول إن المجلس التأسيسي فقد شرعيته رداً على إصرار «النهضة» على أنه المؤسسة الشرعية الوحيدة. وتدعو المعارضة المتمثلة في «جبهة الإنقاذ» إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني من شخصيات مستقلة مهمتها توفير الظروف المناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. حركة «النهضة» ترفض الاقتراح. فهي ترى أن الانتخابات لعام 2011 هي قطارها إلى التمسك بالسلطة، ولن تتخلى عما تملكه الآن من أدوات. لذلك، ترضى بفكرة توسيع الحكومة الحالية والحوار في شأنها، لكنها ترفض المس بالمجلس التأسيسي باعتباره لها «خطاً أحمر» مهما كلف الأمر.
مهما كابرت حركة «النهضة» ومهما تخيّل الغنوشي أنه محمي بنجوميته في الغرب، فإن تونس لن ترضخ للإملاءات ولا للأخطاء التي ارتكبها «الإخوان المسلمون» وأمينهم العام راشد الغنوشي، وهم يمارسون الحكم. تونس مُقبِلة على التمرد مثلما تبنت مصر التمرد على «ثيوقراطية» حكم «الإخوان المسلمين»، ما لم يستوعب الغنوشي حجم الحدث ويكف عن التحدث بلغة «خط أحمر» رداً على محاولات الخروج من المأزق السياسي.
حركة «الإخوان المسلمين» أَدخلت نفسها في نفق مظلم أولاً، لأنها صادرت ثورة الشباب في مصر (وتونس) واعتبرت الانتخابات صكّاً أبيض لها للاستيلاء على جميع مفاصل السلطة. وثانياً، لأنها تصرفت بجشع الحكم فنسيت ضرورة أساسية من الديموقراطية وهي الفصل بين السلطات في الحكم من أجل الاستقلالية والنزاهة وعدم الإقصاء. وثالثاً، لأنها رفضت الاستماع إلى أصوات الاحتجاج للإصلاح التي خرجت في تظاهرات ضخمة في مصر. وتعالت على المطالب. ورابعاً، لأنها أساءت قراءة الشعب ولم تتأقلم معه بعدما أوضح لها ما يريد وما لا يريد. وخامساً، لأنها رفضت المشاركة في خريطة الطريق التي قدمها الجيش المصري لتشارك في العملية السياسية وليس لاستبعادها. وسادساً، لأنها استبعدت نفسها سياسياً واختارت المسار الأمني للمواجهة. وسابعاً، لأنها تضع مصر في خطر الانقسام الأهلي المرير. وثامناً، لأنها علمياً تنتحر سياسياً وهي التي تعيد نفسها إلى ماضي الاعتقالات والمحاكمات بسبب تصرفات قياداتها.
لعل الغرب، بالذات بريطانيا والولايات المتحدة، كان يدرك أن حكم الإسلاميين فاشل مهما طال أو قصر أمده، ولذلك مدّه بكل تأهيل وترحيب ودعم. دافع الغرب عن موقفه باسم احترام الديموقراطية التي أنتجت حكم «الإخوان المسلمين» عبر انتخابات – انتخابات كانت «مسلوقة» أساساً لم تسمح لقوى الشباب بالتنظيم الضروري بعد الثورة وأتاحت الفرصة ليحصد «الإخوان المسلمون» ما زرعوه لعقود على صعيد البنية التحتية الشعبية المصرية. المهم، أن الكثير من المسؤولين في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما كان يتوقع دوما أن تثبت تجربة حكم الإسلاميين فشلها، عاجلاً أم آجلاً. والأرجح، أنهم لم يتوقعوا سقوطهم وفشلهم بهذه العجلة.
لذلك، تبدو كاثرين آشتون تلملم نفسها وأفكارها أمام ضخامة وخطورة ودهشة الحدث المصري كي لا تدعم حكماً عسكرياً حتى وإن كان موقتاً وانتقالياً بشراكة مدنية لها حجمها وثقلها ولها شعبية أكبر بكثير من شعبية «الإخوان المسلمين».
الحكم الموقت في مصر يقع تحت المجهر المحلي والرقابة الدولية خشية أن يرتكب خطأ يجعل منه عرضة لتهم «الإخوان المسلمين» له بأنه «انقلاب عسكري» على الشرعية والديموقراطية. واقع الأمر أن «الإخوان» هم الذين يدفعون الحكم الموقت عمداً إلى ارتكاب أخطاء يتمنون ارتكابها حتى على حساب أرواح المصريين. إنهم يتمسكون بماضٍ مر عليه الزمن، ومن أجل إحيائه إنهم يغامرون بالأرواح وبمستقبلهم السياسي.
يريد «الإخوان» عودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة – وهذا بات أمراً مستحيلاً يعرف تماماً «الإخوان» أنه ليس وارداً جماهيرياً أو سياسياً. يعرفون أن لا ثورة الاعتصامات، ولا حملة توصيف ما حدث بأنه «انقلاب»، ولا الدعوة إلى استفتاء، ولا نجدة أوروبية أو أميركية ستعيد مرسي إلى الكرسي. ومع هذا، فإنهم يلجأون إلى الاعتصامات لاستفزاز الجيش، بدلاً من الموافقة على الدخول في العملية السياسية عبر «خريطة الطريق» التي دعتهم إلى المشاركة. يلجأون إلى العنف أملاً بتوريط الجيش بإجراءات أمنية تسفر عن ضحايا – لا سيما من النساء اللواتي يتصدرن الآن واجهة الاحتجاج والاعتصام والتظاهر أمام كاميرات التلفزيونات العربية والدولية بهتافات لم تعد أصواتهن عبرها «عورة».
الحكم المصري صعّد في اليومين الماضيين مواجهته مع «الإخوان» عبر إجراءات عدة، بعضها لا سابقة له، وتعهّد بفض الاعتصامات بإجراءات تدريجية من دون أن يلجأ إلى استخدام الرصاص – إلا إذا فرضت المعطيات الأمنية عليه ذلك. فالحكومة المصرية اعتبرت اعتصام «الإخوان» في ميدانَي رابعة العدوية والنهضة «تهديداً للأمن القومي المصري» و «ترويعاً» غير مقبول للمصريين لما انبثق عنه من «أوضاع خطيرة» وما تبعها من «أعمال إرهابية وقطع للطرق» وكلفت الأجهزة الأمنية بإنهاء الاعتصام.
تزامن ذلك مع إحالة النيابة العامة مرشد «الإخوان» محمد بديع ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد البيومي على محكمة الجنايات بتهمة «قتل المتظاهرين» ما يشكل المرة الأولى منذ نصف عقد التي يُحاكم فيها مرشد خلال توليه المنصب. إضافة إلى أن الحكم في مصر اتخذ إجراءات مثل فتح التحقيقات في شأن «التمويل الأجنبي» غير المشروع لمحاصرة الأموال التي يتلقاها «الإخوان المسلمون» لتغطية كلفة التظاهر ونفقات الاعتصام. وأصدر الحكم قرارات إحضار قيادات حزب «الإخوان» إلى الشرطة على ذمة التحقيق.
ما استند إليه مجلس الوزراء المصري في إصدار بيانه الذي كلف فيه الأجهزة الأمنية إنهاء الاعتصام جاء «استناداً إلى التفويض الشعبي الهائل للدولة في التعامل مع الإرهاب والعنف اللذين يهددان بتحلل الدولة وانهيار الوطن» وكلف وزير الداخلية «باتخاذ كل ما يلزم» من إجراءات «في إطار الدستور والقانون» لحماية الأمن القومي والسلم الاجتماعي وأمن المواطنين.
كل هذه التعهدات تبقى قيد التنفيذ – والعبء الكبير يقع الآن على الأجهزة الأمنية التي يجب ألا تنجرّ إلى مواجهات دموية وألا تُفرط في استخدام القوة. إنها عملية حرجة وخطيرة إذ إن الاعتصام ركن من أركان استراتيجية «الإخوان» لن يستغنوا عنه بسهولة أو رضى – على رغم أن لديهم وسيلة العودة عنه عبر الالتحاق بالعملية السياسية والمشاركة في الحكم عبر خريطة الطريق، قبل فوات الأوان تماماً – إن لم يكن فات.
هناك حاجة إلى هامش ضروري يسمح باللقاء، إذ حدثت تراجعات أو تنازلات أو عملية استدراك. ومن الضروري أن يكرر الحكم المصري دعواته الواضحة إلى حركة «الإخوان المسلمين» بالعودة عن التحريض على العنف والالتحاق بالعملية السياسية علماً أنه لن يتمكن من العودة عن محاكمة المسؤولين عن قتل المتظاهرين.
دور الاتحاد الأوروبي كما كلف به كاثرين آشتون، أو الإدارة الأميركية التي ستوفد عضوي مجلس الشيوخ جون ماكين وليندس غراهام إلى القاهرة بطلب من الرئيس باراك أوباما، يجب ألا يكون دوراً متسرعاً في إصدار الأحكام أو التهديد بوقف معونات. أي تلميح أميركي بحجب المساعدات أو التهديد بسحبها إنما هو إهانة لن يتحملها المصريون في هذا المنعطف وستؤذي المصالح الأميركية. فهذه معركة عنفوان ومصير للمصريين، وحذار أن تأتي الوفود الأميركية والأوروبية – وكذلك الأفريقية أو العربية – إلى القاهرة لتلقين دروس الديموقراطية أو التهديد أو استخدام المال وسيلة للردع أو للإقناع. مصر تفهم تماماً حدود وآفاق الديموقراطية. تفهم جداً كيف يجب ألا تحل الفوضى والغوغائية مكان الحكم. مصر تدرك تماماً أنها في يقظة مصيرية.

المقــال الأصــلي

زهير قصيباتي يكتب : بين «نفير» وثورة... «قاعدة»


«يغرّد» وزير الخارجية الأميركي جون كيري ابتهاجاً بإعادة إطلاق قطار المفاوضات على طريق دولة فلسطينية، وسلام دائم. «صحوة» سلام مباغتة، ما دامت إدارة باراك أوباما مكتوفة اليدين أمام مجازر العالم العربي، تنكفئ عن الحروب، لكنها تتخلى عن المدنيين بين فكي الاستبداد وتنظيمات الإرهاب.
حيثما حلّ «الربيع العربي» تصحو «الدولة العميقة»، ومثلما كانت ساعة الإرهاب قبله ملائمة لتوقيت طغاة في جمهوريات بائسة بجنرالاتها، فجأة تصحو «القاعدة»، تنتعش عملياتها وسياراتها المفخخة تجول على دول «الربيع»، لتكمل مهمات «الثورة المضادة». أوليس تأجيج الانقسامات المذهبية بمذابح على الهوية، مقتلة لمشروع الديموقراطيات الذي ما زال يصارع تيارات امتطت خلسة أحصنة الانتفاضات الشعبية؟ أليس ذبح العسكر في سيناء وعلى الحدود التونسية- الجزائرية، واغتيال معارضين في تونس وتصفية ضباط في ليبيا واليمن، حلقات في سلسلة واحدة مع تفجير مساجد للسنّة والشيعة في العراق؟
... لكأن «الربيع» جدد مواسم الإرهاب، وعضلات «القاعدة» وأخواتها، فيما قبائل دارفور تتباهى بعدد الذين قتلتهم، وقبائل الإرهاب في سورية لا تتوانى عن تصفيات جماعية لجنود أسرى، لا تقل بشاعة عن إبادة طيران النظام عائلات خطفها الذعر في الخالدية بعد القصير.
وإذا كان السؤال مع هجمة السيارات المفخخة ضد السنّة والشيعة في العراق، هل ما زال بيننا من يشكك في وهم ادعاء الأميركيين انتصاراً على «القاعدة» بقتل أسامة بن لادن... فالسؤال الأهم أن ما يُراد لدول «الربيع العربي» من سقوط في أفخاخ الصراعات الأهلية والحروب التي تمهد لها نزعة الاستئثار لدى التيارات المستغِلّة للدين، تكمله «القاعدة» في العراق كما تنجزه «جبهة النصرة» و «الجهاديون» الجدد في سورية.
لغة القتل إذاً برصاص الاستبداد أو رماح الإرهاب، واحدة. واغتيال المعارض محمد البراهمي بعد شكري بلعيد في تونس، إن كان يقرع جرس الإنذار لحزب «النهضة» للتخلي عن قتل الأمل لدى جيل الثورة، فما يروى عن ذبح جنود بعد قتلهم على الحدود مع الجزائر، يضع تونس وليبيا بعد مصر في مواجهة كبرى مع «القاعدة» وحلفائها... بل يضع مصير الدول الثلاث ووحدتها في مهبّ رياح مشبوهة، لقتل الثورات أو تفتيت المنطقة بعد تحويل انتفاضات «الربيع» فتيلاً لحروب أهلية.
على «اللعبة الخارجية» يتكئ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تفسيره لما حصل في بلاده من احتجاجات، وما تشهده سورية والعراق ومصر، لأن الأسباب الداخلية ليست مبررات كافية. وهكذا يكرر أردوغان ما كان فنّده من طروحات للرئيس بشار الأسد الذي تحدّث عن خوض «حرب كونية» على الأرض السورية، فيما لا يمكنه تبرير قتل مئة ألف سوري بذريعة «الصمود» أمام «المؤامرة»... ولا إلقاء البراميل المتفجرة على الأحياء السكنية، ليخليها مقاتلو «الجيش الحر».
وبافتراض تآمر «القاعدة» على أنظمة ما بعد ثورات «الربيع»، ألا يكون عصر «صحوة القاعدة» مدعاة تبصّر لدى الحكّام الجدد الذين لا يمكنهم تغطية الاستئثار وإقصاء المعارضين بسيف الاقتراع، ثم البحث عن جذور العنف «المباغت»؟
كانت تجربة «الإخوان المسلمين» مريرة لهم ولجميع المصريين، ولكن لا شيء بعد يبشّر بأن الشركاء الآخرين في «الربيع» استوعبوا الدرس. والحال أن الحاكم في قصر استبدادٍ جمهوري بائد، يتوهم أن كل مظاهر العنف ومواكب النعوش اليوم، عابرة طارئة، فيما القتل والتوحش يتحوّلان حدثاً يومياً... معهما لا يمكن لخريف المجازر وشتائها إلا أن يستمرا بين قاتل وضحية، كلاهما مسلم في غالبية الكوارث.
... وتبشّرنا «القاعدة» بـ «صحوتها» الناهضة في العراق وشمال افريقيا، بمزيد من الدم وإزهاق أرواح ليس بينها أميركي أو إسرائيلي. في الحملة الجديدة للتنظيم المبرمجة رداً على «سوء معاملة السنّة في العراق»، ضحايا شيعة وسنّة سقطوا بـ «بطولات» القاعدة في شهر رمضان.
عيّنة أخرى من مصر بعد 30 يونيو (حزيران)، أن يُحشَر مدنيون ويُحرقوا أحياءً، لخلافٍ لا علاقة له بالثورة الثانية ولا بـ «الإخوان». لكنه التوحش ذاته في بلاد الرافدين وأرض الكنانة، أم التسامح. لكأن الجميع يتساوون في «غريزة» الغاب، بعدما سقطت مقولات العدالة الانتقالية، وحكم القانون.
ومصر اليوم الحائرة على ضفاف الثورة، ليست تونس ولا ليبيا، وليست على كف الميليشيات. لكن المخيف أن يتجاهل مَن في السلطة، خطر سقوط الكيانات بين فكي خصوم الداخل، وحروب «القاعدة» وشركائها على الحدود.
وبين «نفير» من هنا وتعبئة من هناك، يحوّل «جهاديون» الثورة إلى فعل قتل لمجرد القتل، ولإبادة الأمل.

المقال الاصــلي

زياد العليمي يكتب : الثورة المضادة


منذ أن أطاح المصريون بحكم الإخوان المسلمين، وأنصار الرئيس المخلوع وجماعته يتهمون كل من شارك أو أيد فى الموجة الثالثة من الثورة المصرية فى 30 يونيو الماضى، بأنهم إما من فلول النظام الأسبق، أو جزء من الثورة المضادة لثورة الشعب المصرى فى 25 يناير 2011.
وعلى الرغم من أن الإخوان المسلمين كانوا آخر من شارك فى الموجة الأولى للثورة المصريةـ بعد أن لاح فى الأفق أن انتصارها بات وشيكاـ وأول من ساوم عليها بعد يومين من دخولهم الميدان، وفاوضوا اللواء عمر سليمان على الانسحاب مقابل الإفراج عن خيرت الشاطر وتقنين وضع الجماعة وإعادة الانتخابات البرلمانية! وهو ما لم يتسن لهم بسبب رفض الملايين الانصراف من الميدان قبل رحيل الرئيس الأسبق مبارك، إلا أن ذلك لم يجعلهم يخجلون عندما يتحدثون باسم الثورة! ويتهمون من عارضهم ومن رفض المساومة على دماء الشهداء بأنهم جزء من الثورة المضادة! وهذا أقسى اتهام من الممكن أن يتلقاه أى ثائر، وهو ما أصاب عددا من الثوار بالاضطراب؛ خصوصا بعد محاولة عدد من أبناء النظام الأسبق ركوب موجة الجولة الثالثة من جولات ثورتنا!
تذكرت ما روى عن أول لقاء بين فيدل كاسترو وهوجو تشافيز. عندما تحدثا عن سبل التعاون المشترك والنظام الاقتصادى الذى تتبناه كل من الدولتين، فوجد كاسترو أن إمكانيات التعاون كبيرة، خصوصا أن الدولتين تتبنيان النظام الاشتراكى، فقال له تشافيز: نحن لسنا اشتراكيين بل بوليفاريين، فرد كاسترو قائلا: «الأفكار التى طرحتها نسميها فى بلادنا الاشتراكية، لكن إذا كنت مصرا على أنها بوليفارية فنحن بوليفاريون مثلك»! وأدركت أن كاسترو فى هذا الحوار أصاب كبد الحقيقة، عندما لم يلتفت للافتة أو العنوان الذى يجمعهما، بل الأفكار والمبادئ بغض النظر عن اسمها.
وعلى المنوال نفسه؛ أرى أن علينا ألا يشغلنا ما يطلق علينا، أو حتى ما نطلقه على أنفسنا! وأن نلتفت إلى جوهر أفكارنا ومطالباتنا، فإذا كان دفاعنا عن وطننا؛ وطنا لكل المصريين، دون تفرقة على أساس العرق أو الدين أو الأصل الاجتماعى، ووقوفنا ضد الاعتداء على الأزهر والكاتدرائية المرقسية فى عهد مرسى، ثورة مضادة فإننا ثورة مضادة!
وإذا كان رفضنا محاكمة المصريين وسجنهم بسبب آرائهم ـ سواء من اعتقل وحوكم فى عهد مبارك، أو ما يزيد على 2500 ثائر دخلوا السجون فى آخر ستة أشهر من عهد مرسى ـ ثورة مضادة فنفخر بأن نكون ثورة مضادة!
وإذا كان رفضنا للحكام الذين استرخصوا دماء المصريين ـ سواء مبارك الذى قتل فى عهده المئات نتيجة الإهمال أو شهداء الموجة الأولى من الثورة، أو الأطفال الذين توفوا فى حادث قطار أسيوط ولم يحاسب أحد أو الـ152 شهيدا الذين قتلوا فى مظاهرات ضد مرسى ـ ثورة مضادة؛ فنحن تلك الثورة المضادة!
وإذا كان وقوفنا ضد التعذيب ـ فى سجون مبارك وتعذيب المتظاهرين داخل قصر الاتحادية واغتصاب المعارضين داخل سجون مرسى ـ ثورة مضادة، فنحن الثورة المضادة!
وإذا كان رفضنا تبعية النائب العام للسلطة التنفيذية وحماية رجالهاـ سواء فى عهد مبارك أو عهد مرسى ـ ثورة مضادة؛ فنحن من هؤلاء.
وإذا كان رفضنا إفقار المصريين لصالح حفنة صغيرة من المنتفعين من النظام ـ سواء كان أحمد عز ورجاله أو خيرت الشاطر وأهله وعشيرته ـ ثورة مضادة؛ فهى ثورتنا.
لم يعد المصريون يأبهون بالدعاية التى تطلقها الأنظمة الاستبدادية على معارضيها، فاتهام الثوار بأنهم مدعومون خارجيا وممولون ـ سواء فى عهد مبارك أو مرسى ـ لم يمنع الناس من الالتفاف حولهم حتى انتصروا، وأطاحوا برموز العهدين! ولم يعد يجدى ادعاء الحديث باسم الثورة، ممن اعتدنا كذبهم وتحالفهم مع رموز الفساد والاستبداد وحبس الثوار لتحقيق مصالح الأهل والعشيرة؛ فالأهم الآن ما نؤمن به ونحاول تحقيقه، لا ما يطلق علينا أو نطلقه على أنفسنا من توصيفات. فالأمر المؤكد أن الثورة ستنتصر، وسوف يحقق المصريون الأهداف التى أعلنوها منذ اليوم الأول من الثورة: العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية!

المقال الاصــلي

مارجريت عازر تكتب : لن نسمح بالتدخل فى شئوننا الداخلية


العجب وكل العجب أن الست كاترين أشتون، مفوضة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى تزور مصر للمرة الثانية خلال خمسه عشر يوماً، لكى تتدخل فى مبادرة الحوار التى تضم مختلف القوى السياسية بما فيها التيار الإسلام السياسى الذى لا يعترف بثورة ٣٠ يونية ويعتبرها انقلاباً على الشرعية رغم الحقيقة الواضحة وضوح الشمس سواء للاتحاد الأوروبى والعالم كله أن هذه الثورة إرادة شعب ثار فيها على تغيير هويته وتفتيت وحدته، أنا أريد أن أسأل السيدة كاترين أشتون لو أن هذا الفصيل الإرهابى فى بلادكم والذى يهدد شعب مصر الآن بقفل الطرق وترويع الآمنين وتهديدهم بإسالة الدماء المصرية لمجرد تمسكهم بالحكم وتهديدهم بمنتهى البجاحة أنه بمجرد رجوع الرئيس الفاشل المرفوض من غالبية الشعب أن تنتهى عمليات الإرهاب فى سيناء، هل كنتم تتحدون إرادة شعبكم وتتمسكون بالشرعية الزائفة أم أن الشعب عندكم هو مصدر كل السلطات؟ هل كنتم سمحتم لنا بأن نتدخل بهذا الشكل غير المقبول بالمرة؟ أم كنتم اعتبرتم أن هذا تدخل فى شئونكم الداخلية؟ لماذا لم يتحرك لكم ساكن حينما تم الاعتداء على جنودنا فى سيناء وإلا هذا من دواعى الديمقراطية أن يقوم رئيس الجمهورية بالتهاون فى سيادة بلاده ويتآمر على شعبه وينتمى إلى جماعة دولية ويجعل بلاده سداح مداح لكل إرهابى ومتطاول وكأننا لسنا دولة تستطيع حمايه حدودها، لقد دفع هذا الشعب من دمه وأمواله فى سبيل تقوية جيشه ما يجعله يفتخر بوطنيته وقوته ويعلم أنه لن يسمح أبداً بأى تلاعب أو تدخل فى مصير شعبنا، السيد نائب رئيس الجمهوية ما الهدف من قولك إن مرسى لن يشارك فى العملية السياسية فى المرحلة المقبلة، أما جماعة الإخوان المسلمين فأهلاً بهم فى الحقيقة هل هذا كان موقفك حينما أقر قانون العزل وحرمان الحزب الوطنى عاطل مع باطل دون أحكام قضائية وما الهدف من الإصرار على وجود جماعة الإخوان المسلمين فى المشاركة فى الحوار الوطنى رغم رفضهم الدائم وعدم الاستجابة للمصالحة الوطنية التى لن يرتضيها الشعب إلا بشروط وقواعد لا بد من اعتراف هذا الفصيل بالأخطاء ومراجعة المعتقدات المغلوطة والاعتراف بالدولة المدنية واحترام دولة القانون واحترام مبدأ المواطنة وفصل السياسة عن الدين وعليهم أن يختاروا إما أن يكونوا جماعة دعوية أو حزباً سياسياً، لا بد من مراجعة المرجعيات المختلفة واحترام الثقافة المصرية وأن مصر هى الأبقى وأنها فوق كل جماعة الآن، أليس من حق هذا الشعب العظيم الذى لبى النداء وأعطى تفويضاً كاملاً لهؤلاء الأبطال الذين وثق فى أنهم قادرون على اتخاذ القرارات الرادعة لكل من يروع أمنه ويتلاعب بمقدراته أن يجد حلولاً لهؤلاء دون فقد أرواح كل يوم والتعطيل فى عملية التحول الديمقراطى. أليس من حقنا أن نبدأ الآن بناء مؤسساتنا وأن نحيا الحياة الكريمة وأن نبدأ فى تصحيح السياسات التى ساهمت فى التدهور الشديد فى كل المجالات، علينا أن ننظر إلى الإمام لإقامة دولة تنعم بالحرية واحترام حقوق الإنسان فى ظل دستور يعبر عن كل المصريين ويحقق أحلامهم فى دولة تحترم القانون وتطبق العدل على الجميع دون تفرقة بين أمير وخفير، لذا لا بد أن تجرى المرحلة الانتقالية وفقاً لما هو مخطط لها وتحقيق أدنى مطالب المواطن حتى لا يصاب بخيبة الأمل فى الجميع وعلينا أن نتخلى عن المصالح الخاصة ونعلى المصلحة العامة حتى نصل لأحلام أولادنا ونخرج من عنق الزجاجة ونحقق لمصرنا الحبيبة ما تستحقه من ريادة وتقدم.


المقــال الأصـــلي

فاطمة ناعوت تكتب : حبّة تمر.. وصليب أزرق

Written By Unknown on الأربعاء | 31.7.13


حبّة التمر التى كسرتُ بها صيامى يوم 26 يوليو 2013 قدمتها لى صبيةٌ جميلة، لمحتُ فى رُسغها صليباً أزرق، بلون النيل، ولون عين حورس الفرعونية، فعرفتُ أن مصرَ تصحو من غفوتها، وأن شعبَها الطيب فى رباط إلى يوم الدين.
رُفع أذانُ المغرب، ودقَّت أجراسُ الكنائس فى لحظة أسطورية واحدة. فتناولتُ إفطارى مع شباب من حركة تمرد الواعدين، وأنا أرمى ببصرى من فوق المنصة الرئيسية أمام قصر الاتحادية لأتأمل ملايين المصريين يحملون الأعلام المصرية، ويتناولون إفطارهم معاً، فلا تميز المسلم من المسيحىّ. لحظة نادرة سوف يقرأها أولادُنا وأحفادُنا فى كتاب التاريخ، ليتعلّموا أن مصرَ العريقة قد علّمت أبناءها، على مرّ الزمان، أن يقفوا يداً واحدةً ضدّ الهادمين أعداء الحياة والجمال والمحبة. صنع أجدادنا لحظة أسطورية مشابهة؛ ففى ثورة 1919، صعد شيخ الأزهر وخطب على منبر إحدى الكنائس، وصعد راهبٌ مسيحىّ وخطب من فوق منبر الأزهر، فأعطوا الشعبَ كله درساً بليغاً حول معنى، وشرف، أن تكون مصرياً. هو الدرس الذى جعل المهاتما غاندى يقول للزعيم سعد زغلول: «أتمنى أن يتعلم شعبُ الهند معنى الوحدة الوطنية الحقّة من الشعب المصرى، نحن نغبطكم!» وتعلّمت الهندُ الدرسَ فانتخبت رئيساً مسلماً على أغلبية هندوسية. والمعادل الموضوعى «الخيالى» لهذا فى مصر هو أن ننتخب رئيساً مسيحياً على أغلبية مسلمة، وهو ما لم يحدث؛ لأن الهند، التى كانت تحسدنا، سبقتنا على سلّم المواطنة وحقوق الإنسان ونبذ الطائفية. بل تمادت الهند فى شوط التحضّر وانتخبت امرأة كرئيس لدولة الهند؛ لأن المعيار «الأوحد» لديهم هو «الكفاءة»، وفقط، دون النظر إلى النوع أو العقيدة.
صومُ أقباط مصر المسيحيين معنا يوماً رمضانياً، من الفجر للمغرب، هو درسٌ آخر يؤكد لنا كم هم متحضرون لا يؤاخذوننا بما فعل السفهاءُ منّا. يوماً بعد يوم، نلمس وطنيتهم فى مواقف صعبة مرّت بهم وبنا. حُرقت كنائسُ، وقُتل مُصلّون، لكنهم لم يستنجدوا بالغرب. بل قال البابا شنودة: «لو أن أمريكا ستحمى كنائسَنا، فلتحترق كنائسُنا، وليمُتْ المسيحيون، وتبقى مصر». ورفض الاستفادة بالتطبيع مع إسرائيل، وفق كامب ديفيد، فلم يسمح لأبنائه بالحج إلى القدس إلا حينما تتحرر، ليسافر المسيحى يداً بيد مع شقيقه المسلم. وقبل رحيله عن هذا العالم، حاصر الكاتدرائية جيشٌ من المتطرفين وقاموا برفع السلاح والهتافات البذيئة. وكادت تندلع حربٌ أهلية. فخطب البابا فى شعبه قائلا: «اغفروا»، فتحول غضبهم إلى سلام ومحبة. تم إقصاء الأقباط من المراكز السيادية، وكثيراً ما رُفض تعيين أبنائهم المتفوقين من أوائل الدفعة بالجامعة، لكنهم لم يحنقوا على المجتمع. جُزَّت جدائلُ بناتهم عنوةً فى الطرقات، وأُجبرت فتياتٌ مسيحيات على الحجاب فى شمال سيناء، لكنهم لم يفقدوا حبهم لنا كمسلمين. خرج موتورٌ أحمق واستهزأ برموزهم المقدسة على الهواء (ورموزنا أيضاً، لأنهم أنبياء بررة) ثم أحرق إنجيلهم علناً أمام الكاميرات، فقالوا له: «الله يسامحك!» وخرج «شيخٌ» يسبُّهم علناً ويدعوهم بـ«الصليبيين» الكفار، ويدعونا كمسلمين إلى كراهيتهم وعدم مشاركتهم لحظات العيد ولحظات العزاء. فما بغضوه ولا بغضونا، بل ظلوا يشاركوننا أعيادنا وأحزاننا. وحين مرض ذلك «الشيخ» وبُتِرَت ساقُه، سافر للغرب (بلاد الكفرة الصليبيين) طلباً للعلاج، فما كان من أقباط مصر إلا أن رفعوا الصلوات المتواصلات لكى يشفيه الله.
شكراً للمحن التى تجعلنا أكثر وحدة ومحبة وتماسكاً. شكراً للإخوان والمتأسلمين الذين شاءوا أن يمزقوا نسيجنا، فوضعنا اليد فى اليد لنرفعها يداً واحدة فى وجه الشرير عدو الخير.
وشكراً للصبيّة الجميلة التى أطعمتنى حبّة التمر، بيدها التى يجرى فى شرايينها دمى المصرى.

المقال الاصــلي

عثمان ميرغني يكتب : معركة أكبر من الجيش والإخوان

ما يحدث في مصر اليوم لا يمكن اعتباره معركة بين الجيش والإخوان فحسب، بل معركة بين غالبية المصريين والإخوان. مظاهرات جمعة «لا للإرهاب» كانت حاسمة في هذا الإطار بعد أن قدر عدد المشاركين في مختلف المدن والمحافظات بأكثر من 30 مليونا، وهو رقم يتجاوز أرقام كل المظاهرات التي شهدتها مصر منذ الثورة، ويتضاءل معه عدد من أعطوا أصواتهم لمرسي وأوصلوه إلى قصر الرئاسة. فإذا اعتبرنا هذه المظاهرات وقبلها مظاهرات 30 يونيو (حزيران) التي مهدت لإطاحة حكم الإخوان، مقياسا للرأي العام ستكون النتيجة تصويتا ساحقا بسحب شرعية مرسي.
الإخوان يتباكون اليوم على الشرعية التي أضاعوها، بعد أن خسروا التأييد الذي أوصلهم إلى الحكم، واستعدوا ضدهم غالبية الشعب بممارساتهم التي كشفت عن وجه استبدادي متسلط، ونزعة لتهميش الآخرين ومحاولة فرض رؤاهم على الدولة والمجتمع من خلال السيطرة على عملية إعداد الدستور، ورفض المنطق القائل إن طبيعة المرحلة الانتقالية وتحدياتها تحتاج إلى حكم جامع وموحد لكل القوى السياسية. وهم يبدون مصرين اليوم على السير في الطريق الخطأ باختيارهم لنهج المواجهة والتصعيد في تحدي رأي غالبية الشعب المصري، وهو طريق سيقودهم إلى المزيد من العزلة وقد يعطي ذخيرة للمطالبين بحظرهم ومصادرة ممتلكاتهم ومقراتهم، على الرغم من المخاطر المحتملة لأي حلول استئصالية.
الإخوان يتجاهلون أن الشارع هو الذي انقلب ضدهم، ويحاولون تكتيكيا تصوير ما حدث على أنه انقلاب عسكري، على أمل كسب أي تعاطف من القطاعات المعارضة لحكم العسكر، ومن أجل دفع المجتمع الدولي للضغط على الجيش الذي يرونه الخصم الحقيقي والقوة الوحيدة القادرة على عرقلة خططهم. ومن المفارقات المضحكة أو المبكية أنهم عايروا في السابق معارضيهم بأنهم يستنجدون بالمجتمع الدولي ويحثونه على التدخل في مصر، بينما نراهم اليوم ينظمون الحملات والمظاهرات الداعية لتدخل دولي لإعادة مرسي وحماية الجماعة وإلزام الجيش بالبقاء في ثكناته. هذه الدعوات لن تغير في الواقع كثيرا لأن المجتمع الدولي لم يستطع غض الطرف عن أن عشرات الملايين خرجوا مطالبين برحيل مرسي وإسقاط حكم الجماعة، وأن الجيش لم يتدخل إلا بعد الحملة التي جمعت 33 مليون توقيع لسحب شرعية الرئيس وتوجت بالمظاهرات الغاضبة في ذكرى توليه الحكم. كما أن أي قارئ للوضع المصري لن تفوته ملاحظة توحد غالبية المؤسسات من القضاء إلى الجيش والشرطة، ومن الأزهر إلى الكنيسة، ومن غالبية وسائل الإعلام إلى غالبية الشعب ضد حكم الإخوان وممارساتهم.
بعد كل هذا ألا يجدر بالإخوان العودة إلى صوت العقل والاستماع إلى أصوات مثل عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية الخارج من رحم الجماعة الذي وجه نداء إلى معتصمي رابعة العدوية للاحتكام إلى المنافسة السياسية بدلا من العنف والتصعيد لأن الموضوع ليس معركة بين الإسلام والكفر، على حد تعبيره، بل معركة سياسية بامتياز. المشكلة أن الإخوان درجوا على خلط معارك السياسة بالدين، بل وظفوا الدين ومنابر المساجد والعمل الدعوي لأغراضهم السياسية، ولا يرون معارضيهم إلا من خلال توصيفهم بالعداء للدين. كما أن الصورة تزداد تعقيدا لأن الإخوان يرون أنهم لا يملكون الآن سوى ورقة العنف ومسلسل الدم لتغيير المعادلة السياسية التي انقلبت ضدهم، لذلك يدفعون بالشباب والنساء والأطفال إلى خطوط المواجهة مع قوات الأمن، ويزجونهم في مظاهرات هدفها الاستفزاز وجر المواجهات المسلحة مثل دفعهم بمتظاهرين إلى مقر الحرس الجمهوري، حيث سقط الضحايا بالعشرات، ثم بالاشتباكات الأخيرة مع الشرطة التي سقط فيها عدد أكبر من الضحايا.
الأخطر من ذلك أن الإخوان لوحوا أيضا بجبهة سيناء التي قال القيادي في الجماعة محمد البلتاجي إن العنف فيها سيتوقف لحظة عودة مرسي إلى قصر الرئاسة، ليدعم بذلك رأي من كانوا يحملونهم مسؤولية التدهور الأمني الذي تشهده المنطقة ويشيرون إلى أن من أول قرارات مرسي في الرئاسة كان قرار العفو عن عشرات المتطرفين المسجونين الذين التحق كثير منهم بالجماعات الجهادية في سيناء التي تكفر الدولة وتنادي بإمارة إسلامية.
هذه الاستراتيجية ستسخن المواجهة حتما وستعطي الجيش تفويضا إضافيا لتوسيع المعركة مع الإخوان بعد التفويض الشعبي في مظاهرات الجمعة الماضية تحت عنوان «لا للإرهاب»، فليس هناك دولة تسمح لأي فصيل بحمل السلاح ضدها أو بتهديد الأمن والسلم الداخليين، ومصر ليست استثناء. خيار التصعيد يبدو خيارا انتحاريا لأنه سيحول المعركة من سياسية إلى أمنية وعسكرية، وعندها سيكون الإخوان في مواجهة دامية وخاسرة، ليست مع الجيش وحده بل مع الشعب الذي خسروا تأييده وتعاطفه.

المقــال الاصــلي

سمير عطاالله يكتب : "يا وردة من جوَّه جنينة"


عشق المصريون القاهرة فسمّوها مصر. وعندما كبرت سمّوا امتدادها "مصر الجديدة" كأنما دفتر الأسماء قد نضب، أو على طريقة الملوك في حفظ الإرث والسؤدد. فمولود باكنغهام الجديد سوف يكون جورج السابع، عندما يبلغ سن العرش. صار لمصر أسماء كثيرة خارجة على تقليد التولّه بـ"بلادي بلادي بلادي". ومن نقائض المصادفات، لا محاسنها، أن اسم رابعة العدوية، تلك المتعبّدة الصوفية في برِّ العراق، لا ينسجم كثيراً مع تهافت "الإخوان" على السلطة وتهالكهم على غِواها. عاشت رابعة العدوية ألف سنة قبل الأم تيريزا، تحاول أن تثبت أن الخير في الترفّع والخلاص في المشاركة.
كنّا نخشى الحرب الأهلية في مصر، أي أكثر الحروب همجية وتوحشاً. صار الخوف أشد: فقراء الأقباط والمسلمين يتكاتفون في شبرا وإمبابة والمحلَّة، وطبقات المسلمين السياسيين تتواجه ما بين ميدان التحرير ومدينة نصر حيث اغتال "الإخوان" أنور السادات على مدرج 6 أكتوبر، ذكرى العبور.
هذه دراميات مصر التي لم يستوعبها الإخوان، بين أمور أخرى. وهي أن العسكر مرئيون أبداً، في الظل أو في الواجهة. كان جمال عبدالناصر أقوى حاكم في مصر، ومع ذلك قال لمحمد حسنين هيكل في 9 حزيران 1967: محمد، أنا أخاف أن يرتدّ الجيش عليَّ، أو أن ترتدّ الناس على الجيش. الأحزاب الإيديولوجية لا تفكّر في غير نفسها وبقائها. لم يستطع محمد مرسي العياط أن يدرك، أن الفوز بالرئاسة ليس فوزاً بمصر. أعلن دستوره وانتقى حكومة هزيلة مثل الكاريكاتور الضاحك ثم التفت صوب الجيش يطوّعه. في السياسة، الغباوة ليست عذراً. سواء كانت غباوة فردية، أم مشتركة تدخَّل فيه مرشد الإخوان وتجّارهم الكبار وذوو الأموال التي كانت تنفع في زمن المعارضة. الحكم شيء آخر.
عندما فاز مرشح "الإخوان" برئاسة مصر، كان يفترض أن تدعو الجماعة مفكريها – وهم كُثر – ومنشقّيها – وهم عقلاء – إلى مؤتمر تدرس خلاله أخطاء الحزب – وهي كثيرة جداً – وتبحث في آفاق الحكم من دون استعداء 70 مليون مصري على الأقل. ولكن كيف يمكن حزبا على علاقة مباشرة بالعزة الإلهية، وله مرشد ختم شؤون الأرض والسماء، أن يقرّ بوجود آخرين سواه؟
بينما كان ستالين يوزّع 43 ألف مربض مدفعية لضرب برلين، كان هتلر يَعِد الألمان من حصنه تحت الأرض، بألف عام من الرايش الثالث والفكر النازي. لم يخرج بعدها إلى الضوء ليرى أن روما الحديثة قد أصبحت ركاماً، مثل درسدن وكولن وهامبورغ. ألف عام من الإخوان، كان يحلم محمد مرسي، وهو محاصَر في قصر الاتحادية، منذ لحظة فوزه، ومصرتشتعل من حوله.
المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفياتي أعلن نهاية مرحلة ستالين. لا سيبيريا كمنفى بعد اليوم ولا لافرنتي بيريا كجزار. بعد الهزائم التي ألحقت بحزب العمال البريطاني قرر مؤتمر الحزب التطهّر من العفونة. لكي يستمر، قال طوني بلير، يجب أن ننافس المحافظين في حداثتهم، وليس أن نتجاوز أنفسنا، لأن هذا أسهل ما يكون. الحزب الذي لا يتجدَّد كالشجرة التي لا تُقلَّم. يقول أهل القرى إذا كنت تحب عريشتك كلّف عدوك تشحيلها.
الذين طالبوا بإعادة النظر في الحزب، طُردوا ومعهم عقولهم وآفاقهم. حكم بلا آفاق دولة بلا بقاء. تذكّروا العام الأول من محمد مرسي يوصلكم إلى خلاصة واحدة: لن يدخل الرجل العام التالي رئيساً. لن تذوب من تحته نصف مليار جنيه وهو جالس فوقها. يصيح أنا الشرعية والشرعية أنا.
الأوكراني نيكيتا خروشوف لم يَعِد الإتحاد السوفياتي بالوصول إلى القمر. وعدُه الأكبر كان، أنه بعد خمس سنوات لن نستورد القمح من أميركا. سوف يكون الرغيف سوفياتياً. مرسي وَعَد بالجنة في حين أن 25 مليون مصري ينامون دون عشاء. رُويت دعابة تقول إن ديبلوماسياً درزياً بلا سند سياسي قرر وزير الخارجية إرساله إلى الصين يوم هي منفى. وكان شائعاً أن الدروز يتقمّصون في الصين! فقال الديبلوماسي لوزيره: "استنه عَ الصين لاحقين نروح. لوقتها دبِّرنا بأوروبا".
يجوز الاتكال على صبر الفقير، لكن ليس على سذاجته. لا تستغفل الجائعين، فهم لا يملكون ترف النسيان. لا يملكون حتى الوقت. كان الأقل ضرراً بالنسبة إلى عقلاء مصر، أن يأخذ مرسي جزءاً منها إلى رابعة العدوية، بدل أن يأخذها كلها إلى ألف عام من الرايش الثالث، بقيادة محمد بديع وخيرت الشاطر وبقية الشطار الذين صنعوا الثروات باسم محاربة الفقر والظلم.
جرَّ هذا الرجل مصرإلى حرب هويات. والهويات قاتلة، كما قال أمين معلوف، الذي عندما غادر بيروت إلى باريس، كانت جميع تفاصيل الهوية تقتل: الدين يقتل. الطائفة تقتل. المنطقة تذبح. الجهة الجغرافية تُشعل حرباً. واللهجة تفصل بين الموت والحياة. لكثرة ما شاهد وما عانى، أخذ أمين معلوف "الهوية" على محمل الجد. إنها أحياناً مسدس، وأحياناً مدفع. لكن أوسكار وايلد سخر منها كما سخر من الضعف البشري: "معظم الناس هم أناس آخرون. أفكارهم هي آراء أناس آخرين، وحياتهم تقليد، وكل ما يحبونه منقول". لسنا وحدنا في مأساة الهوية وصغرها.
إذا كانت سنغافورة أهم منجز بشري في عالم النسبيات، فإن أهم ما في هذا المُنجز ليس الاقتصاد. الأهم هو أن لي كوان يو لم يعطِ الطمأنينة للأكثرية الصينية، بل للأقليات الأخرى. أعطاها سكينة الانتماء. الأقليات العاملة في فرنسا كادت تُحرق باريس العام 2005 لأنها تشعر أنها على هامش كل شيء. حتى في أسوج قبل أشهر أُحرقت أطراف العاصمة بأيدي أناس يحملون الجنسية ولا يحملون الهوية! الفارق كبير بين أن تُعطى جوازاً لتسافر أو حقاً لتبقى.
ما تراه في رابعة العدوية وفي حمص وفي العجز اللبناني الدائم عن تشكيل حكومة، أو ما تراه من اغتيالات في تونس وصراعات في اليمن وتفتّت في فلسطين ما بين الضفة والقطاع بدل وحدة "النهر إلى البحر"، هو حرب هويات. الدولة العربية لم تُولد ولم تقُم. مجرد تجارب وتسميات، طفولية أو غليظة أحياناً، اشتراكية ولا اشتراكيون، ووحدة وليس إلا شظايا، واسلامية والمذابح لا تقع إلا في رمضان وعربية ولا عرب ولا عروبة وجماهيرية والجمهور مؤلف من الأخ القائد وأبنائه السفهاء وعديله الجزار الذي يعدم طلاب الجامعة في الساحات العامة. فقط للتذكير... هويات هويات هويات، كما في كلمات كلمات كلمات لأنسي الحاج، التي استعارها عنواناً من شكسبير من دون أن يدري أن كاتباً كبيراً آخر في الكاريبي قد سبقه إلى باب الكنز: في. أس. نيبول. مثله "بوجه واحد" لا يساير ولا يساوم. كُلِّف أن يحاضر في جامعة كمبالا فلم يأتِ الى الصف مرة واحدة: كيف للمرء أن يدرِّس هذا المستوى من الغباوة. أنا نيبول، دبّروا لي طلاباً يصعدون إليَّ، لا أنزل إليهم.
كانت إفريقيا مجموعة قبائل. كل أرض البشر كانت قبائل: "إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتَعارفوا". ولا يتعارفون. المصري القبطي أقرب إلى المصري المسلم في شبرا ألف مرة من مصريين مسلمين في سيناء. اعتقدنا ذات مرة أن الفظاعة الكبرى هي احتلال إسرائيل لسيناء. خطأ. إنه احتلالها للعقل العربي المتدافع إلى التخلّف والتفسّخ والانحطاط والعدَمية، فيما هي تتجاوز فرنسا في تصدير الأسلحة، وتتجاوز كاليفورنيا في وادي السيليكون وعالم الرقائق.
يُقترح علينا هنا الآن هوية جديدة. ما رأيكم بـ "المشرقية"؟ والله أنا معكم. أولاً، الاسم ظريف لطيف خفيف وحبّاب. ولكن هناك بضع عقبات صغيرة لا بد من إحالتها على الدرس. أولاً، مصطلح "المشرق" Levant يعني في ما يعني "الحربقة". أو المركنتيلية. وجميع من هاجوا على المركنتيلية اللبنانية كانوا تجاراً ولم يمارسوا في حياتهم سوى أمرين: التجارة، ومهاجمة المركنتيلية.
المشرقية بديلاً من العروبة! لماذا؟ لكي نتمكن من ضمّ إيران إلينا أو ضمّنا إليها. ولكن ماذا نفعل بإزمير التي كانت ثالثة دُرر "المشرق" مع الاسكندرية وبيروت؟ درَّة مَن؟ وماذا بيروت الآن ودرة ماذا الاسكندرية التي شاءها الاسكندر بديلاً من أثينا وإسبارطة، الفلاسفة والعسكر؟ كان يومها في الخامسة والعشرين. تصوَّر أن تُهدي إلى نفسك مدينة تورّثها لكليوباترة، وتُبنى فيها أوسع مكتبات الأرض. يا أخي، في المشرقية ألم تكن العربية لغة التنزيل ونهج البلاغة، بلاغة العربية؟ لا تسئ مفهومي للهويات. أنا هويتي الأولى الإنسان إذا كان خيِّراً. أفضل الناس أنفعهم للناس. بيل غيتس لأنه تبرّع بثروته لفقراء العالم وليس خيرت الشاطر لأنه شاطر سياسة وتجارة وسجون. أنا قلت لك، أعظم النساء عندي الأم تيريزا لأنها عاشت مع البُرص وليست ديانا سبنسر التي قامت بزيارة مجموعة منهم بناء على اقتراح مكتب العلاقات العامة. الكبار ليست لهم علاقات عامة ومكاتب إعلامية. هذه البدعة المسمّاة مكتباً إعلامياً محظورة إلا في لبنان. إذا كنت أكبر من شعبك اذهب إلى بلد يسمح لك أن تكون أكبر من شعبه. أما أنت رجل دولة تتحدث باسمك أو عبر ناطق رسمي، أو تِضرَب أنت ومكتبك الإعلامي. مَن أنت لكي تتنازل إلى مخاطبتي؟ من أنت لكي تضع بينك وبيني مكتباً؟ أمس فقط كدت تقبّل يدي من أجل ورقتي. وهي ورقة مزوَّرة في أي حال، لأنها معك وضد أرضها. أنا جزء من كرنفالك. أنا عتبة صرمايتك العتيقة. أنا أزوِّر لكي أصنعك وأنت تَخدع لكي تمحوني، وكلانا بضاعة تقبل أن يخاطبها مكتب إعلامي فوقه مكتب إرشادي.
قل لي أي نوع من المكاتب الإعلامية تتبع أقُل لك سماكة التخلّف المتمكِّن فيك. حتى المندوب السامي كان هو يخاطب الناس. بابا رومية يخرج لمخاطبة الحجاج في ساحة القديس بطرس، وإلا لماذا أنت بابا عليَّ، لماذا لا تبقى خوري الضيعة وواعظ ساحتها؟
أنا حزين لمصر وخائف لسوريا. إن مصر التي يريدون إحراقها من أجل محمد مرسي العياط هي مصر أفقت وأنا أسمع أغانيها وأصغي إلى أول خطاب سياسي وأرى كبار العرب يعودون من جامعاتها وأرى إسلامها مرجعاً بجواهر الأزهر وأرى صحافتها رمح العرب وأرى رجالها نهضة العروبة ورايات الأزمنة: محمد عبده وطه حسين ولا يضيرهما أن يكون معهما جرجي زيدان وأنور عبد الملك. سألتني "المصري اليوم" في مقابلة على يومين من تريد رؤيته في مصر؟ ولما كان الأول الذي أهفّ إلى لُقياه أحمد بهاء الدين، قد غاب، فأجبت الدكتور علي السمان، وأنور عبد الملك. قالت الصحافية: "دُول بس، من كل مصر؟" قلت دُول بس. قالت لماذا؟ قلت لأن الدكتور علي السمان جاء بجان بول سارتر إلى مصر وأخذه إلى غزة لكي يتحدّث منها عن حق العودة. وأنور عبد الملك لأن الناس كانت تظنّه شيوعياً وفي الحقيقة كان ابن ترعة يدرس في السوربون أعلى الفكر الإنساني.
يحزنني أن أرى مصر تحترق من أجل رجل انتُخب باسم الديموقراطية فظنّها تفسيراً عربياً آخر. "الحزب الوطني" كان يجدّد لحسني مبارك (اقتراع سري لعدم الإحراج) بـ 99%، وحزب "الإخوان" يريد أن يُضفي على مرسي شيئاً من هذا. أنا حزين لمصر. حيث تقول زفّة العروس: اتمخطري يا عروسة يا زينة "يا وردة من جوَّه جنينة". كانت بلاد شمّ النسيم. الشكوى الكبرى في مدينة نصر الآن هي من روائح الاعتصام. إنها أعلى من الأصوات وأفظع.

المقــال الاصــلي
اضف الى اضافتى Top Social Bookmarking Websites

كلوديا نزلت الاتحادية هيدي كلوم عارية بكاميرا والدتها صديق جيا شجعها علي الانتحار ! ميس حمدان في انتظار ابن الحلال سلمي تتعامل مع الشيخوخة بهدوء

الأكثر قراءة

للاشتراك في خدمة RSS Feed لمتابعة جديدنا اضغط هنا,او للاشتراك في خدمتنا البريدية
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2013. التيار - All Rights Reserved
Template Created by IBaseSolutions Published by Ibasethemes
Proudly powered by Ibasethemes