كلما حل تاريخ لذكرى مرتبطة بثورة يناير تصاعدت التوقعات وتكثفت التحركات انتظاراً لتحول جديد فى مسارها. فهكذا كان الحال فى الخامس والعشرين من يناير 2012 فى الذكرى الأولى للثورة، وهو ما تكرر فى ذكراها الثانية بعد عام كامل، وفى المرتين- وخصوصاً الأخيرة- شهدت البلاد أحداثاً دموية سقط فيها عشرات الشهداء ومئات الجرحى خاصة فى بورسعيد وفرضت حالة الطوارئ وحظر التجول على مدن القناة الثلاث. وهذه المرة ينتظر كثير من المصريين الذكرى الأولى لتولى الرئيس محمد مرسى منصبه فى الأول من يوليو القادم، ليشاركوا ويروا نتيجة الوقفة التى دعت إليها حركة «تمرد» يوم الثلاثين من يونيو الذى يرون فيه تاريخاً لنهاية شرعية الحكم الذى حسب وثيقتهم التى وقع عليها الملايين – حسب بياناتهم أيضاً – فشل فى تحقيق أى من أهداف الثورة أو وعود رئيسه بل سار فى كثير من الأحيان فى اتجاه معاكس لها ولمطالب وطموحات المصريين منها.
والجدال الذى أثارته حركة «تمرد» بتوقيعاتها حول مدى دستوريتها أو قانونيتها هو فى الحقيقة فى الاتجاه الخاطئ، فليس المهم فى مثل هذه الحركات الشعبية غير التقليدية فقط هو مدى دستورية أو قانونية خطواتها ومساراتها، بل الأهم هو ما تعكسه من رغبات شعبية وتوقعات من القطاعات الجماهيرية المنضمة لها والمتحمسة لأهدافها. فمن قبيل إخفاء الرؤوس فى الرمال ما يقوم به أعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين والحكم الحالى بقصر الحديث عن الأبعاد الدستورية والقانونية للحركة وتجاهل ما تعكسه من حالة عدم رضا واسعة لطريقة أداء الحكم والإخفاقات المتوالية فى عمل مختلف أجهزته التنفيذية والتشريعية والحزبية. ومن قبيل التجاهل أو الغفلة اختزال حركة «تمرد» فى أنها مجرد انعكاس لأقلية غاضبة ومختلفة مع الحكم الإخوانى فكرياً وسياسياً، فهذا مخالف تماماً للواقع، حيث إن الانطباعات والمشاهدات المباشرة تؤكد امتداد التوقيعات على وثيقة الحركة إلى مساحات كبيرة ومتنوعة من المجتمع المصرى متجاوزة القوى السياسية والحزبية التقليدية وأيضاً الفئات والطبقات الاجتماعية المعتاد رؤيتها وهى فى حالة نشاط وانخراط فى العملية السياسية.
كما أنه لا يجب على الحكم الإخوانى وأنصاره انتظار الثلاثين من يونيو لكى يتبنوا الطريقة التى سيتعاملون بها مع تلك الحركة وما سوف يكون عليه شكل التجمع الذى تدعو إليه يومها. فأياً كان شكله وحجمه واستمراره فهو قبل هذا كله يعبر عن حالة رفض حقيقية وواسعة فى المجتمع المصرى للطريقة التى حكم بها الإخوان مصر خلال عام إلا شهراً واحداً منذ تولى الرئيس مرسى منصبه، وهو أمر توجب مقتضيات الديمقراطية والحكمة السياسية التعامل معه بجدية والبحث عن وسائل فعالة وحقيقية لاستيعابه من ناحية والتخلص من الأسباب والجذور التى أدت إليه، حتى لا تتفاقم الأوضاع إلى أخطر مما يتصور الكثيرون، من ناحية أخرى.
ولعل التعامل الحكيم والجاد مع حركة «تمرد»، وما تعكسه من حالة غضب للحكم الإخوانى تخترق بقوة واتساع فئات ومناطق المجتمع المصرى، يستلزم أولاً أن يتأكد أركان هذا الحكم وأنصاره من حقيقة هذه الحالة، وهو ما يمكن أن يتم بإحدى طريقتين: إما أن يتم عمل استطلاعات علمية جادة – حتى لو كانت سرية – للرأى العام المصرى للتعرف على اتجاهاته الحقيقية تجاه الحكم الحالى وسياساته وقراراته، أو أن يقوم قادة الجماعة وحزبها فى مختلف مستوياتها بالنزول مرة أخرى إلى عموم المصريين سواء كانوا جيراناً لسكنهم أو زملاء فى عملهم ليسألوهم عن آرائهم كعينات عشوائية غير منظمة للمصريين فى حكم الرئيس مرسى والجماعة. والأقرب لليقين هو أن كلتا الطريقتين ستؤدى لنفس النتائج: المصريون غاضبون على الحكم، ورافضون لمعظم سياساته وتوجهاته ومحبطون من أدائه، وحركة «تمرد» ليست إلا الجزء البارز من جبل الغضب الذى يتمدد ويتعمق يوماً بعد آخر فى المجتمع المصرى، فحاولوا – هداكم الله – ألا تتجاهلوها وتؤجلوا الأمور إلى أن تضطروا للتعامل مع جبل الغضب بأكمله، فحينها ربما سيكون الوقت قد تأخر كثيراً.
نقلا عن المصري اليوم
إرسال تعليق